IMLebanon

مَنْ هِيَ المنظومة؟

 

منذ ثورة 17 تشرين برز مصطلح «المنظومة» في الوسط السياسي. وكلّما أراد أيّ فريق من دعاة التغيير التهجّم على أيّ فريق سياسي يختلف معه بتوصيف أو بمقاربة أيّ موضوع سياسي يلقي عليه تهمة الانتماء إلى المنظومة. ولكن من المهمّ تمييز هذه المنظومة وتحديد معايير الانتماء إليها. إضافة إلى ذلك، يجب الاضاءة على كيفيّة عمل هذه المنظومة وعلى الذين يؤمّنون حمايتها. ولعلّ هذا ما شكّل الدّافع لاستمرارها طوال هذه الأربعين سنة.

 

في توصيف بسيط للواقع الذي نعيشه اليوم، تعود نشأة هذه المنظومة إلى فترة ما بعد نهاية الحرب اللبنانيّة. مع العلم أنّ النواة الميليشيويّة التي كانت تحكم بعض المناطق في لبنان كانت تختلف في ما بينها كلّ بحسب طريقة تعاطيها مع جمهورها والبيئة التي تعمل في كنفها. فبعض هذه المجموعات عملت على القاعدة المافيويّة وأدارت شؤون منطقتها بطريقة تسلّطيّة استبداديّة ابتزازيّة، ولم توفّر أيّ خدمة لشعبها. والدّليل في ذلك، تكفي مراقبة المناطق التي حكمها اليسارويّون «المتعوربون» الذين ادّعوا زوراً الدّفاع عن القضيّة الفلسطينيّة؛ والذين توارثتهم «منظّمة حزب الله» في ما اصطلحت على تسميته بمقاومة العدوّ. هذه المناطق بالذات كانت تشبه كلّ شيء إلا الدّولة.

 

فيما المناطق المحرّرة التي حكمتها «المقاومة اللبنانيّة» كانت مناطق مثاليّة للعيش الرّغيد حيث نشطت فيها السياحة المحليّة وازدهرت فيها معظم القطاعات من الطبابة إلى التعليم والنّقل المشترك؛ وشكّل فيها الحوض الخامس أنموذجاً في الجباية المؤسّساتيّة إضافة إلى الخدمات التي كان يؤمّنها مطار حالات وقتذاك. وهذا ما أنهك الدّعاية الممانعة طوال أربعة عقود ونيّف حيث نجحت بزرع مبدأ تقاضي هذا الفريق للخوّات مقابل إدارته لبعض المرافق العامّة. ونجح فريق 6 شباط 2006 بتسعير نار هذه الدّعاية في هشيم المجتمع المسيحي بوجه خاص واللبناني بوجه عام.

 

وبعد عودة الحياة إلى مؤسّسات الدّولة، شكّلت مؤسّسات هذه المنطقة التي حافظت عليها «المقاومة اللبنانيّة» نواة مؤسّسات دولة الطائف. لكن الاضطهاد الذي مارسه الاحتلال السوري عبر نظامه الأمني السوري – اللبناني المشترَك على كلّ مَن سار في موكب «المقاومة اللبنانيّة»، مكّن النموذج الذي ساد في مناطق الممانعة من الانتصار وتطبيقه نظريّته في فلسفة إدارة مؤسّسات الدّولة. وهذا ما نتج عنه كارتيل صلب من أصحاب الفكر الميليشيوي الذين ارتدوا بزّات أنيقة بالظاهر فقط، فيما داخل هؤلاء بقي كما هو. ولم تتبدّل ممارساتهم الميليشيويّة قيد أنملة.

 

وليؤمّن هذا النهج استمراره، استخدم الغطاء الأمني السوري لحمايته. فشكّلت عنجر والبوريفاج مرجعيّات لممارساته السياسيّة. حيث كانت تتشكّل الحكومات والتعيينات والتلزيمات كلّها على قطعة ورقة ممزّقة يكتب عليها الضابط السوري أسماء من يشاركونه أكثر بما أغدقه عليهم من خيرات «البقرة الحلوب»؛ كما كان الرئيس الراحل الياس الهراوي يسمّي الدّولة .

 

أمّا بعد 26 نيسان 2005 وانسحاب السوري للأسباب المعروفة، فانتقلت هذه الوكالة الأمنيّة إلى الفريق المسلّح الذي يحالفه. وهذا الفريق هو «حزب الله» الذي نجح بأن يتحوّل إلى منظّمة مسلّحة تمارس نشاطها المسلّح في أصقاع العالم الأربعة، من فنزويلا وأميركا اللاتينيّة غرباً إلى اليمن وما بعدها شرقاً. ولتؤمّن المنظّمة هامش الحرّيّة لسلاحها غير الشرعي لجأت إلى هذه الطغمة من السياسيّين – الميليشيويّين ليحموا ظهرها. مقابل ذلك، ما كان من المنظمة المسلّحة إلا أن تسكت عن أعمال هذه المنظومة فقط؛ لا بل أكثر من ذلك أن تسيّر أعمالها لتؤمّن هذه المنظومة بدورها الغطاء السياسي لدور «منظمة حزب الله» هذه.

 

من هذا المنطلق، يأتي تحديد المنظومة. وهي لا تشمل بذلك كلّ مَن شارك في الحكم بعد السلطة التي نتجت من انتخابات العام 1992. فكلّ مَن ساهم بتأمين الغطاء للسلاح غير الشرعي، واستخدم السلطة على قاعدة الإساءة للأمانة التي مُنِحَت له، وَكَالةً من قبل الشعب اللبناني أو توكيلاً من قبل سلطة الاحتلال وعملائها لاحقاً هو عماد هذه المنظومة. وما نجاح خطّ الممانعة أو فريق إيران في لبنان باستمراره منذ العام 2008 حتّى اليوم إلا بتثبيته دويتّو المنظومة والمنظّمة بكلّ ما تمثّلانه من أوراق تفاهم وصفقات وتلزيمات في مطار بيروت أو غيره. أمّا الذين شاركوا في هذه السلطة عبر السنين من دون أن تشوبهم أيّ لوثة فساد أخلاقيٍّ أو سياسيٍّ أو وطنيٍّ فهؤلاء لا يمكن زجّهم بصلب هذه المنظومة.

 

ولن يتمكّن اللبنانيّون من إسقاط هذه المنظومة إلا إذا تجرّأوا كلّهم على قول الحقيقة كما هي. وليس بهدف الاقتناص الشعبويّ من أيّ فريق سياسيّ. فالمطلوب اليوم واحد لا أكثر. وإسقاط هيكل الفساد لن يتمّ إن بقي المُعَمِّمُونَ والمُعَمَّمُونَ في صفٍّ واحدٍ. ولا يراهنَنَّ أحدٌ على أيّ جهةٍ خارج الـ10452 كم². إن لم يقم المعمِّمُونَ بقراءة ذاتيّة نقديّة لأدائهم السياسي اليافع، يكونوا حتماً قد وأدوا تجربتهم السياسيّة في مهدها. قولوا الحقيقة مهما كانت صعبة لأنّ الحقّ وحده يحرِّر.