Site icon IMLebanon

ربّي… نجِّهِم من التّجارِب!

 

وصلت الأزمة اللبنانيّة إلى حدّها الأقصى. ولا يمكن بعد اليوم الاعتماد على حلول جزئيّة، بل المطلوب الحلّ الجذري الذي يجتثّ هذه الأزمة من جذورها. وذلك لأنّها باتت العائق بين اللبناني والحياة. والارتباط بين الأزمة والحلّ هو ارتباط عضويّ إذ لا يمكن لغير هذا الحلّ أن يكون لهذه الأزمة. فهل سيستطيع اللبنانيّون فرض الحلّ الوحيد لأزمتهم برغم السلاح غير الشرعي الذي يتحكّم بقدريّة هذه الدّولة؟

 

إنّنا قوم لا يؤمن بالقدريّة لأنّنا نحن الذين نصنع أقدارنا بأيدينا. لأنّنا أبناء الحقّ والقيامة والرجاء. والرّجاء جريء. فهو يعرف كيفيّة النظر إلى ما وراء الراحة الشخصيّة، ويعرف الرجاء أيضاً التّعالي عن الضمانات الفرديّة الصغيرة والتعويضات الآنيّة التي تضيّق الأفق، لأنّنا نتطلّع نحو المُثل العليا التي تجعل من الحياة أكثر جمالاً وجلالاً، ومن الانسان أكثر إنسانيّة واحتراماً، ومن الحرّيّة اكثر تطبيقاً ووجوداً.

 

من هذا المنطلق تأتي مقاربتنا لهذه الأزمة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً باغتصاب الدّولة اللبنانيّة من قبل “دويتّو” المنظومة القابعة في السلطة اليوم، والمحميّة من قبل منظّمة “حزب الله” بسلاحها غير الشّرعي. فلا أنصاف حلول. إذ لا عيش كريماً في نصف وطن، أو في نصف دولة، أو في ثلث جمهوريّة. إمّا أن يكون الوطن والدّولة والجمهوريّة بقمّة الكمال، وإمّا لا عيش كريماً في لبنان. فالأمر محسوم، والحلّ لا يكون بنصف مواجهة بل بمواجهة كاملة.

 

وقوام المواجهة اليوم هو المؤسّسات لأنّ الدّولة بحدّها الأدنى ما زالت موجودة؛ لكنّها مغتَصَبَة. والمطلوب واحد من اللبنانيّين كلّهم؛ أن يواجهوا لا أن يهادنوا أو يساوموا. والسبيل الوحيد اليوم هو في المشاركة الكثيفة في الانتخابات النيابيّة القادمة. ورخيص جدّاً ما يحاول “دويتّو” الشرّ القيام به من عمليّة تسخيف لقدرة اللبنانيّين على التغيير. هذا فضلاً عن استمراره ببثّ الفكر الانهزامي والاستسلامي التيئيسيّ لأنّ اليائس يُسَيطَرُ على فكره بسهولة أكثر من الذي يحمل الرجاء في قلبه.

 

وما دعاية قدرة سلاح المنظّمة على إبطال مفاعيل الانتخابات الدّيموقراطيّة أيّاً كانت، سوى خديعة كبرى يحاول هذا الدويتّو بثّها في المجتمع اللبناني، المقيم والمنتشر. وذلك ليضمن أبريوريّاً نتيجة العمليّة الانتخابيّة لأنّه مدرك مدى كلفة تطييرها. هذه المرّة لن تسلم الجرّة من الانكسار، لا سيّما وأنّ الشقوق الوجوديّة باتت تضربها من رأسها حتّى كعبها. وهنا خوف هذا الدويتّو من الانتخابات القادمة التي قرأ نتائجها سلفاً من الانتخابات النقابيّة والطالبيّة كافّة.

 

فمفعول التخويف بالسلاح يسري في القلوب اليائسة والخائفة. وهذا الاحتمال لم يعد موجوداً فقد انكسر على تخوم عين الرمانة وخلدة وشويّا. والديموقراطيّة التعطيليّة التي نجح هذا الدويتّو في ممارستها من العام 2005 وحتى اليوم، سقطت عندما بات المجتمع الدّولي مقتنعاً بما طالب به رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” الدكتور سمير جعجع في 2 أيلول من العام 2019، ومن قصر بعبدا بالذات. فالحكومة هي أداة تنفيذيّة عملانيّة وليست سياسيّة. هذا هو المطلوب بالذات في هذه المرحلة. حكومة اختصاصيّين مستقلّين وحياديّين مع الحقّ ضدّ الباطل. وهذا ما سيحصل بعد الانتخابات النيابيّة المقبلة. ولعلّ العقل نفسه الذي حاول اغتيال رئيس الوزراء العراقي بعد الانتخابات النيابية في العراق، قد فضح نوايا ما سيحصل في لبنان. وهنا تكمن خطورة المرحلة القادمة. وذلك لأنّ هذا الفريق قد أيقن منذ العام 2005 أن لا سيطرة على الدّولة إلا من خلال تقويض مؤسّساتها والتحايل عليها بالديموقراطيّة ليحفظ ماء وجهه أمام المجتمع الدّولي.

 

ذلك كلّه بات من الماضي. وقد أصدر الشعب اللبناني مجتمعاً الأحكام المبرمة على كلّ الذين سيحاولون استعادة هذا النهج. والتنفيذ سيكون في صندوقة الاقتراع. منظّمة “حزب الله” بحاجة إلى شرعيّة دستوريّة ليترجم وجوديّته السياسيّة في صلب تكوين الدولة. وعلى صعوبة هذا الطلب، ستسعى المنظّمة لإقامة الانتخابات بكلّ قواها، ليبقى احتمال تطييرها وارداً لكنّه سيكون الكيّ الذي سيحرقه ويحرق معه الوطن بأسره.

 

فالحلّ لن يكون إلا بالمواجهة حتّى إسقاط هذه المنظومة بالكامل، من رأس الهرم حتّى آخر مدماك فيها. ويجب ألا يتمّ استثناء أحد. والاسقاط لا يكون وفق القواعد الانقلابيّة، لا العسكريّة ولا المظاهراتيّة السلميّة أو العنفيّة. هنا لبنان. ولن يكون إلا جمهوريّة قويّة، في دولة قادرة وقويّة. لأنّنا غذّينا أنفسنا بأحلام المجد والعظمة، وأكلنا التشتّت والإنغلاق والعزلة؛ وامتلأنا بطعم الإخاء، وغرسنا بذور الهويّة، وأنبتنا الكيان في شرقنا ليكون العلامة الفارقة لكيانيّتنا في هذا العالم. وأقلّ من ذلك لن نقبل. وأهلاً وسهلاً بكلّ مَن لم يختبر بعد مروءتنا، فلْيَخُضْ تجربَتَهُ، ونحن ساهرون ومصابيحُنَا مشتعلة. ولينجّهم ربّنا من التّجارب قبل الوقوع مجدّداً فيها.