IMLebanon

حيلة الإثراء غير المشروع  

 

يُتابع اللبنانيّون أخبار التحقيق مع ضباط كبار وموظفين فئة أولى وأسماء لأصحاب مراكز بتهمة الإثراء غير المشروع، استدعي هؤلاء ليسألوا: من أين لك هذا؟ وليس في الأمر أيّ مفاجأة فالذين خضعوا للتحقيق لأنّ رواتبهم لا تسمح بأن يكونوا مع عائلاتهم من أصحاب الملايين، ولكن ما يثير سخرية اللبنانيين أنّ الذين يجري التحقيق معهم هم من الصفّ الثالث والرّابع في لعبة الفساد من طبقة الفاسدين المتوسطة، وهم موظفون عند أصحاب مليارات المليارات النائمة في مصارف أوروبا من كبار الفاسدين…

 

والأرقام التي تتردد على مسامع اللبنانيين ليس لها “لا طنّة ولا رنّة” فهي أقلّ بكثير من الأرقام التي يجري تداولها عند الحديث عن أموال سدّ أو بواخر فيول أو تعويضات مهجّرين، ويتساءل اللبنانيّون: هل فتحت هذه التحقيقات والأرقام لإلهاء اللبنانيّين وهم العارفون بخبايا السّرقات وإيغالها في جسم الدولة الواهن، أم هي تحقيقات على عين الدول التي تصر على المطالبة بالإصلاح وكشف الفساد فجاءت كـ”تحويرة” تُلهي هذه الدول وتجعلها تصدّق أنّ لبنان وضع نفسه على سكّة محاربة الفساد ومعاقبة الفاسدين، هذه حيلة تفتّقت عنها عبقريّة الخائفين من انفضاح أمرهم وانكشاف أرقام ملياراتهم التي تطرح حولها مليارات الأسئلة!!

 

بالرّغم من المماطلة اللبنانيّة لا يزال الرئيس الفرنسي أيمانويل ماكرون مصر على مواصلة رقصته مع الثعابين اللبنانيّة، يجرّب الفرنسيّون دائماً في الوقت الأميركي الضائع، هذه المحاولات سبق وعشناها وهي التي قادت لبنان إلى كارثة عامي 1989 و1990، وبدون شكّ الرئيس الفرنسي لا يزال يحدوه الأمل بأنّه لو تشكّلت حكومة سيكون بإمكانه الادّعاء أنّه حقّق انتصاراً ما، مع أنّه سيكون صعباً جدّاً على أي حكومة أن تنجز أيّ مهمّة، خصوصاً أنّها تأتي من دون أن تملك أي برنامج مهما كان متواضعاً لإنقاذ لبنان واقتصاده من الانهيار والإفلاس!

 

لا يعرف الفرنسيّون مجاهل دولة لبنان المخردقة بالطوائف والمذاهب والميليشيات والولاءات الخارجيّة، لبنان يحتاج إصلاحاً يهدّ كلّ شيء ثم يعيد بناءه من جديد قطعة قطعة و”على نضافة”، ويا حبّذا لو يبدأ بالرؤوس فمن بعدهم أمر الأذناب أهون ما يكون!

 

وبصرف النّظر عن غرق الرئيس المكلّف سعد الحريري في مستنقع التعطيل والفخّ الذي نصب له لإراقة ماء وجهه ورغم محاولته إنقاذ مبادرته من السقوط على أرض لبنان بالضربة الإيرانيّة القاضية، فمن غير الواضح حتى الآن إلى أين سيقود الحريري إصراره على التمسّك بتشكيل الحكومة العتيدة، ومع هذا السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا سيكون بإمكان هذه الحكومة أن تفعل؟

 

الدوائر المحكمة الإغلاق معلّقة بسلسلة حلقات مفرغة لأسئلة لا أجوبة لها، وأوّلها لماذا يتمّ الاستخفاف بالمواطن اللبناني إلى هذا الحدّ؟ والإصرار على ادّعاء أنّ الحكومة العتيدة ستأتي بوزراء مستقلّين متجاهلة أنّهم سيكونون وزراء من كلّ وادٍ عصا وأنّهم آتون من دون خطّة جاهزة لتنفيذ الإصلاحات حتى لو سلّمنا بأنّ صندوق النقد الدولي سيسلّمهم خطّة مفصّلة على قياس لبنان وجاهزة للتنفيذ فمن سينفّذها؟

 

ونعود إلى حيلة الإثراء غير المشروع، لنسأل لماذا لا يبدأ القضاء بالمحاسبة من فوق باللصوص والنّهابين الكبار الذين يحتالون على القانون ويطوّعون نصوصه أيضاً لحماية أنفسهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّه ومقابل كلّ قاضٍ نزيه هناك عشرة متزلّمين كلّ منهم لزعيم، بل هناك من هو مسخّر لحماية اللص، والمليارات الحرام!!