IMLebanon

العلة في الأحزاب

الآمال في التحول الديموقراطي التي لاحت في بلاد العرب مطلع عام 2011 تبخرت في 2014. الدولة الوطنية تفتت في معظم اوطان “الربيع” وتحولت مؤسساتها اشلاء. المواطن العادي بات ضحية قضت او تنتظر موتها بين توحش الارهاب وتعسف الانظمة القاهرة. والتهجير القسري صار أهون الشرور بعدما سادت الابادة الجماعية على الهوية الدينية أو المذهبية أو العرقية .

وحدها تونس حافظت على مسار ديموقراطي، وربطت بينه وبين بناء مؤسساتها الاشتراعية والتنفيذية المنتخبة بعد اقرار الدستور. لكننا لم نقرأ في التاريخ الحديث ان رئيس دولة تولى السلطة وهو على مشارف التسعين بعدما نجح في غضون سنتين في تأسيس حزب جديد حسم على التوالي الانتخابات النيابية والرئاسية.

الباجي قائد السبسي، ظاهرة اخرى يفرزها هذا “الربيع”، لا تعبر عن القلق العام السائد في مجتمعات تبحث عما يطمئنها فحسب، بل تعبر ايضاً عن فشل الاحزاب والقوى السياسية الجديدة في ملء الفراغ السياسي الذي احدثته صدمة التغيير في 2011. ولعلها دليل آخر على ان غياب الاحزاب العربية أو ضعف ما كان قائماً منها وهزالها وعدم ثقة الناس بها، كان مقدمة للكوارث التي حلت بدول “الربيع” وقد تحل بدول عربية أخرى لم تصبها العدوى في السنوات الثلاث الأخيرة.

الاحزاب الاسلامية كانت أقرب الى المحفل المغلق من التنظيم السياسي، وعندما سادت تغولت وكفرت وقوضت انماط الدولة ودورة الحياة المعتادة حتى اتحد في وجهها الجميع، وعندما اخرجت من الحلبة شهرت السلاح في وجه مجتمعها وتطرفت الى حد التوحش. وفي مواجهتها وقفت الأحزاب القومية واليسارية عاجزة عن اقناع مجتمع استبد به قلقه بقدرتها على حسم الصراع على المستقبل. اما الاحزاب الوطنية التي تعايشت مع أنظمة الاستبداد، فقد تخاوت معها حتى صارت وجها آخر لها.

التحولات العربية التي تعيش هذه الايام ذكراها الرابعة، كان يمكن ان تكون حقاً ثورات لانها كانت حراكات شعبية واسعة تنشد الحرية والكرامة الانسانية وحقوق المواطن ولم تتمحور على مطلب محدد بل طرحت مسألة نظام الحكم ككل. لكن مشكلة هذه الحراكات ان الدولة كانت عميقة لا تتزحزح بسقوط رأسها كما حدث في مصر وتونس، أو كانت هشة انهار هيكلها باطاحة المستبد كما حدث في ليبيا واليمن وقبل ذلك في العراق. والاهم هو غياب حزبها الديموقراطي الذي بغيابه تحول الصراع من صراع سياسي مفترض بين مستبد ومستبد به الى صراع على الهوية يفجر كل الاحقاد العصبوية الدفينة كما يحصل على امتداد الخريطة المشرقية، وفي أفضل الاحوال أعاد احياء الاموات، كما يحصل في المقلب الآخر من الخريطة العربية.