واهم من يراهن على وجود حلحلة على صعيد المشاورات الجارية بعيداً عن الأضواء تبشر بولادة قريبة للحكومة، وواهم أيضاً من يراهن على تبدل في مواقف التيار الوطني الحر المعلنة من التشكيلة التي رفعها الرئيس المكلف قبل بضعة أسابيع إلى رئيس الجمهورية. والحال أن الأمور باقية على حالها، ما دامت مواقف التيار العوني على حالها لم تتبدل ولم تتغير وحتى لم تتواضع كما يتمنى ذلك الرئيس المكلف.
إذن، الأمور على حالها، والأصح اننا عدنا على صعيد التأليف الى المربع الأول، والأصح الأصح انه كلما تقدمت الاتصالات والمشاورات التي يجريها الرئيس المكلف خطوة إلى الامام، جاء من يعترض طريقه ويعيده إلى المربع الأول، وهذا هو الحال، منذ صدور مرسوم التكليف وبدء المشاورات لتأليف حكومة وحدة وطنية يراهن الجميع على وجودها لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الخطيرة، وإعداد الأرضية اللازمة من إصلاحات في هيكلية الدولة حتى تقتنع الدول المانحة للإفراج عن المساعدات التي عبرت عن استعدادها لتقديمها إلى لبنان في مؤتمر سيدر أو في غيره من المؤتمرات الدولية.
وإذا سألت عن المسؤول عن العرقلة وايقاع البلاد في عنق الزجاجة أو في العناية الفائقة كما يقال في الامثال المعروفة، فإن الجواب عند أولئك الذين يطلقون طلقة الرحمة عندما يصدر عن الرئيس المكلف أو عن غيره من الأطراف المعنية موقف يشي بوجود حلحلة ما، تبشر بقرب ولادة الحكومة، وكأن المطلوب من أصحاب هذه الطلقة أن تبقى البلاد من دون حكومة وحدة وطنية حتى ولو أدى ذلك إلى إلحاق الضرر بالعهد، للوصول إلى مرحلة اليأس والتسليم بقيام حكومة من الأكثرية التي أفرزتها الانتخابات النيابية، أي من قوى 8 آذار وفقاً للتوصيف الذي أطلقه الجنرال الإيراني قاسم سليماني غداة الإعلان عن نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة ومفاده أن فريق حزب الله، حصل على الأكثرية العددية في المجلس النيابي الجديد.
وما يزيد الطين بلة، رغم بعض الإيجابيات هو الموقف الجديد المنسوب إلى رئيس الجمهورية من القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي والذي يؤشر إلى أن سيّد العهد مع حرصه على أن تكون الحكومة العتيدة جامعة لكل القوى السياسية، أي أن تكون حكومة وحدة وطنية ورغم كل الإيجابيات التي ظهرت مؤخراً من رئيس حزب القوات، ومن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي سواء بالنسبة إلى العهد نفسه، أو إلى الرئيس المكلف وضرورة التعامل بإيجابية تامة لتسهيل ولادة الحكومة العتيدة، تحمل أكثر من دلالة على ان القصر الجمهوري ليس بعيداً عن المواقف التصعيدية التي يطلقها رئيس التيار الوطني الحر في وجه الرئيس المكلف عندما يعلن عن حصول تقدّم أو تنازلات من شأنها ان تساعد على تأليف حكومة الوحدة الوطنية، وإذا ما صح ما نسب مؤخراً إلى سيّد العهد في ما يتعلق برئيسي الحزبين المذكورين فإن ذلك يعني بأن الوضع بالنسبة إلى تأليف الحكومة تراجع ليس إلى المربع الأول بل إلى نقطة الصفر، وانه بات على الجميع ان يعيدوا النظر في الآمال التي بنوها مؤخراً على إقدام القصر الجمهوري على خطوة من شأنها ان تفرج عن الحكومة وتعيد الأمور إلى النصاب الذي يريده لها الذين ما زالوا يأملون بقيامة هذا الوطن.