IMLebanon

الأوهام والحقائق في الهجوم الأميركي على سورية

 

انطلقت تحليلات متفاوتة بل ومتناقضة في قراءة الهجوم الأميركي– البريطاني– الفرنسي على سورية. بعض التناقض ناجم عن تصورات مسبقة ورغبات ذاتية في أن تطاول الضربة أكثر بكثير مما حققته، وهو ما أضفى على هذه التحليلات نوعاً من الإحباط وخيبة الأمل. إن قراءة موضوعية للحديث يمكن لها أن تفرز بين الأوهام التي جرى تعليقها على الهجوم، وبين الحقيقي والفعلي المتحقق من هذا الهجوم.

أول الأوهام- الرغبات أن يسفر الهجوم عن إطاحة النظام السوري. إن نوع التهديدات التي سبقت الغارات والحشود الكبيرة للأساطيل، كانت تشي بحجم أكبر بكثير من الضربة المتحققة. يخفى على أصحاب الرغبات أن القرار بإطاحة نظام الأسد قد تجاوزه الزمن بسنوات، فلم يعد موجوداً في أجندة الدول المتصارعة، وهو أصلاً لم يكن موجوداً إلا في بعض التصريحات الإعلامية. تقاطعت صراعات وتناقضات القوى الدولية والإقليمية على أن النظام ورئيسه حاجة ضرورية في المرحلة الراهنة من الحرب السورية. لعل التصريحات التي رافقت الهجوم من أصحـابـه دليـل على تـوافـق الجميع على أن الضربات لا تستـهدف إسقاط النظام.

الوهم الثاني ناجم عن افتراض موقف أميركي يصب في مصلحة الشعب السوري، وأن الهجوم هو لردع النظام عن ممارساته القمعية. لم تكن الخطة الأميركية يوماً تصب في هذا المنحى، بل على العكس، كان القرار الأميركي منذ اندلاع الانتفاضة منصباً على الإفادة منها لتحويلها حرباً أهلية، أهم أهدافها تدمير سورية، كياناً ونظاماً ومجتمعاً وقوة عسكرية، بما يفقد هذا البلد أي إمكانية لمقارعة إسرائيل وأميركا في حال استطاع الشعب السوري إنهاء نظام البعث لمصلحة نظام وطني وديموقراطي.

الوهم الثالث نابع من تصور لا أساس له، قائم على أن استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل النظام سيقلب العالم عليه، بما يدخله أتون الردود التي ستقضي عليه بعد أن مس القوانين الدولية وانتهك حقوق الإنسان. لم يكن هذا الهجوم الكيماوي الأول من نوعه، سبقه نحو خمسين هجوماً خلال الأعوام الماضية، ولم يتحرك المجتمع الدولي لمعاقبة النظام.

أما الوهم الرابع والأخير، فهو افتراض إمكان مواجهة دولية على الأرض السورية، بين روسيا وحلفائها وبين المحور الغربي. هذه المواجهة تقف عند خطوط حمراء بحيث لا تتعدى التراشق السياسي. لعل الكلام الروسي الغربي عن إبلاغ الروس بالضربة وتحديد خط مسارها يؤكد هذا التوافق على عدم الاصطدام العسكري. في السياق نفسه يقع الموقف الإيراني الذي اكتفى بالتنديد الكلامي.

أما الحقائق التي أبرزتها العملية العسكرية، فأولها كان صفعة معنوية لروسيا ورئيسها. فروسيا أعلنت نفسها حامية للأراضي السورية، وأتت بجيوشها وأساطيلها وتمركزت على الساحل. كانت العملية الغربية اختباراً لهذا الالتزام في الدفاع عن الأرض، فلم يتحقق.

الحقيقة الثانية أن العملية أتت بعد قمة أنقرة التي سعى فيها الحلف الثلاثي الروسي- التركي- الإيراني إلى صوغ معادلات جديدة أهم ما فيها إقصاء الولايات المتحدة عن أي صفقة لتسوية ما، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس الأميركي في نيته الانسحاب العسكري من سورية. أتت العملية العسكرية لإفهام الحلف الثلاثي أن مفتاح الحل والربط هو أولاً وآخراً بيد الولايات المتحدة، وأن أوان التسوية لم ينضج بعد، لارتباطها بما يتجاوز الأراضي السورية، نحو قضايا دولية خلافية بين المعسكر الغربي وبين روسيا. لذا، ليس مبالغة القول إن روسيا مهزومة فعلياً نتيجة هذه العملية العسكرية.

في دفاع قوى سياسية ودولية عن نظام الأسد والتشكيك باستخدامه الأسلحة الكيماوية، خصوصاً أنه قد انتصر في هذه الحرب، يجب القول إن الهدف الأساسي لاستخدام الكيماوي في مدينة دوما، والتي كانت في طريقها إلى التسوية بخروج المقاتلين بعد وساطة روسية، أن هدف رئيس النظام هو الإمعان في تأديب معارضيه عبر إبادتهم، على رغم الاستسلام الحاصل من المقاتلين. هذا الأسلوب في التعامل يريده أركان النظام درساً بليغاً لكل من تسوّل له نفسه التمرد أو المعارضة. أما حديث النصر الذي يتبجح به النظام ومعه معسكر «الممانعة»، فهو حديث يثير القرف والاشمئزاز. فأي نصر تحقق؟ هل أمكن ردع الهجوم أو منعه؟ ألا يعتبر تدمير المنشآت الحيوية هزيمة للنظام العاجز عن التصدي إلا بالكلام الفارغ؟ في كل حال، ليس في جعبة هذا المعسكر سوى تغطية الهزيمة بادعاء الانتصارات، هروباً من السؤال والمحاسبة.

يبقى بعض الكلام برسم نظام طهران. منذ فترة غير بعيدة شنت الطائرات الإسرائيلية غارة على قاعدة تيفور الإيرانية، فدمرت منشآتها وقتلت عدداً غير قليل من الجنود بينهم ضباط برتب عالية. أعلن مسؤولون إيرانيون أن الرد آت ولن يكون أقل من إزالة دولة إسرائيل. ألا يستحق هذا الوعيد تنفيذاً اليوم، خصوصاً أن الهجوم الغربي يشكل مبرراً إضافياً في هذا المجال. فهل سيتحقق هذا الحلم ونشهد في الأيام المقبلة رمي إسرائيل في البحر؟