IMLebanon

وَهْم الدولة العلوية!

يُثير التعجّب أحياناً، استرسال بعض المحلّلين في محاولة إثبات ما هو مُثبت، أو تحليل خطاب لرأس نظام انتهى هو ونظامه، ومحاولة استنباط «المُعلن مواربة» هذا ما تظهّر خلال الأيام التي تلت خطاب بشّار الأسد الأخير، فالتحليلات اندلعت لتؤكّد أنه سائرٌ باتجاه إنجاز دولته العلويّة على يدِ إيران وأداتِها حزب الله، ومن المؤسف أن يستغرق المحلّلون في تكريس هذا الوَهْم الأسدي، فيما جزء من وَهْم هذه التحليل عالق على أبواب معارك «الزبداني» التي تسير ببطء نملة، وآخر «إنتصاراتها» الباهظة الإعلان عن السيطرة على «الزبداني مول»، أو «كتلة من بضع مباني»، فعن أيّ دولة يتحدّثون؟!

هنا، لا بُدّ لنا من تذكير القارئ بمقالنا في هذا الهامش في 24 تموز العام 2013 والذي حمل عنوان «الدولة العلوية» من بشار إلى الجدّ الأكبر، لم يكن أحد بحاجة لانتظار خطاب بشار الأسد في تموز الماضي لـ»يكتشف بارود» الدولة العلويّة، وما لم يكن استناداً لتاريخ «آل الأسد» فاستناداً إلى الفضيحة التي فجّرتها في تموز العام 2013 صحيفة الغارديان البريطانية، وما كشفته «الغارديان» منذ عامين خلاصته أنّ رأس النظام «القاتل» بشار الأسد طلب من إسرائيل في العام 2012 وعبر وسيط «أن تسمح له بإقامة دولة علوية وعدم التصدي لمخطط إبادة أهل السنة في مناطق مختلفة من سوريا»، وأنّ بشار أبلغ وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان برغبته في عدم تدخل إسرائيل بشكل قد يعيق تنفيذ مخططه، خاصة إن كان الأمر يتطلب تهجير بعض السكان غير العلويين من هذه الدولة إلى منطقة الجولان… فأين الجديد الذي يحتاج كلّ هذا التحبير في خطاب الرّجل المنفصل عن الواقع؟!

من المفيد هنا استحضار تاريخ آل الأسد «ابناً عن أبٍ عن جدٍّ» في توهّم حلم إقامة دولة علويّة، وللمناسبة ما «تستقتل» إيران لتنفيذه في سوريا اليوم عبر أداتها «حزب الله» لا يعدو كونه «عَشَمٌ إبليسي» في وصل الإمبراطوريّة الشيعيّة الفارسيّة» بعضها ببعض وهو أمرٌ بعيد كلّ البعد عن «ترسيم دويلة علويّة»!! بل نذهب لقول أكثر من ذلك ما تفعله إيران في سوريا هو «إنقاذ» حزب الله، لا إنقاذ بشار الأسد، وهذا إنقاذٌ للمشروع الإيراني للمنطقة لا إنقاذ لنظام فاشل احتجنا أربعة عقود لندرك أنه وحش من ورق!!

ما الجديد الذي استدعى هذه التحليلات الوهميّة، كيف تحوّل إنقاذ إيران لـ»حزب الله» ومعه مشروعها إلى إنقاذ للأسد ونظامه، فالإجابة التاريخية التي يعرفها الجميع أن «إسرائيل» سلّمت عام 1967 آل الأسد الحكم في سوريا، وقبضت منهم ثمن الجولان مئات الملايين من الدولارات، وبعدما فشلت محاولة الأسد الجدّ في تأسيس دولتهم العلوية نجح حفيده الأسد الأب في حكم سوريا كلّها بعدما استنجد بُعيد انقلابه في العام 1970 بفتوى اعتراف من الإمام موسى الصدر بأنّ العلويين فرقة من فرق الطائفة الشيعيّة، مع أن العلويون أنفسهم يعلنون أن لا علاقة لهم لا بالإسلام ولا بالمسلمين!! ففي رسالة ـ وثيقة زعماء الطائفة العلوية إلى رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك ليون بلوم LEON Blum ومحفوظة تحت الرقم 3547 تاريخ 1936/6/15 في سجلات وزارة الخارجية الفرنسية، كما وفي سجلات الحزب الاشتراكي الفرنسي. ومن سطور تلك الرسالة إلى دولة ليون بلوم، «نتشرّف «نحن الزعماء العلويين في سوريا أن نلفت نظركم ونظر حزبكم إلى النقاط الآتية:

1- إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة، بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس، هو شعب يختلف بمعتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم السني.. 2- إن الشعب العلوي يرفض أن يلحق بسوريا المسلمة، لأن الدين الإسلامي يعتبر دين الدولة الرسمي، والشعب العلوي، بالنسبة إلى الدين الإسلامي، يعتبر كافراً. لذا نلفت نظركم إلى ما ينتظر العلويين من مصير مخيف وفظيع في حال إرغامهم على الالتحاق بسوريا عندما تتخلص من مراقبة الانتداب ويصبح في إمكانها أن تطبق القوانين والأنظمة المستمدة من دينها.. 3- إن منح سوريا استقلالها وإلغاء الانتداب يؤلفان مثلا طيبا للمبادئ الاشتراكية في سوريا، إلا أن الاستقلال المطلق يعني سيطرة بعض العائلات المسلمة على الشعب العلوي في كيليكيا وإسكندرون وجبال النصيرية.. 4- إن روح الحقد والتعصب التي غرزت جذورها في صدر المسلمين العرب نحو كل ما هو غير مسلم هي روح يغذيها الدين الإسلامي على الدوام. فليس هناك أمل في أن تتبدل الوضعية. وها نحن نلمس اليوم كيف أن مواطني دمشق المسلمين يرغمون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على توقيع وثيقة يتعهدون بها بعدم إرسال المواد الغذائية إلى إخوانهم اليهود المنكوبين في فلسطين. وحال اليهود في فلسطين هي أقوى الأدلة الواضحة الملموسة على أهمية القضية الدينية التي عند العرب المسلمين لكل من لا ينتمي إلى الإسلام.

فإن أولئك اليهود الطيبين الذين جاؤوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام، ونثروا فوق أرض فلسطين الذهب والرفاه ولم يوقعوا الأذى بأحد ولم يأخذوا شيئا بالقوة، ومع ذلك أعلن المسلمون ضدهم الحرب المقدسة، ولم يترددوا في أن يذبحوا أطفالهم ونساءهم بالرغم من أن وجود إنكلترا في فلسطين وفرنسا في سوريا. لذلك فإن مصيرا أسود ينتظر اليهود والأقليات الأخرى في حال إلغاء الانتداب وتوحيد سوريا المسلمة مع فلسطين المسلمة. هذا التوحيد هو الهدف الأعلى للعربي المسلم(…)فالشعب العلوي الذي نمثله نحن المتجمعين والموقعين على هذه المذكرة يستصرخ الحكومة الفرنسية والحزب الاشتراكي الفرنسي ويسألهما، ضمانا لحريته واستقلاله ضمن نطاق محيطه الصغير، ويضع بين أيدي الزعماء الفرنسيين الاشتراكيين، وهو واثق من أنه وجد لديهم سنداً قوياً أميناً لشعب مخلص صديق، قدّم لفرنسا خدمات عظيمة مهدد بالموت والفناء».