دمشق تعلن نهاية هدنة لم تكن هدنة بالمعنى الكامل. والسجال بين واشنطن وموسكو بعد القصف الجوي الأميركي لقوات النظام في دير الزور يهزّ اتفاق كيري – لافروف الذي ليس علي مستوى الصراع الجيوسياسي في الشرق الأوسط وعليه عبر حرب سوريا ولا كان مصمماً لانهاء الحرب وترتيب حلّ سياسي للأزمة الأصلية. وسوريا التي هي محور رهانات مختلفة لم تعد سوريا التي كانت، لا فقط قبل الانتفاضة الشعبية في ربيع ٢٠١١ بل أيضا عند صدور بيان جنيف في صيف ٢٠١٢.
ذلك أن اعلان أقوى دولتين وقف الأعمال العدائية كان مجرد هدنة جزئية وبالتقسيط كل ٤٨ ساعة. والاتفاق الذي جرى التفاوض عليه طويلاً على المستوى الرئاسي والوزاري كما على مستوى الخبراء الديبلوماسيين والعسكريين كان اتفاقاً على مراحل يرتبط بدء كل مرحلة بنجاح المرحلة السابقة ويعطي كل طرف الأولوية لمرحلة تهمّه. وليس أمراً قليل الدلالات ان تتخوّف واشنطن من نشر الاتفاق وإطلاع مجلس الأمن عليه لكي يتبناه بقرار دولي. فلا العمل العسكري المشترك بين أميركا وروسيا سهل التطبيق، قبل الحديث عن اعتراض البنتاغون عليه وقبل الخلاف على كون الغارة الأميركية جاءت بالغلط أو بالقصد. ولا تجاهل السيناريو الكامل للتسوية السياسية سوى انعكاس للخلاف على صورة التسوية.
والمعادلة، كما يراها البروفسور في جامعة ستانفورد جيمس فيرون، هي ان التدخل الخارجي يضمن العمر الطويل للحرب. إذ كل قوة خارجية تعرف انها لا تستطيع الانتصار، لكنها تخاف من نصر محتمل للطرف الآخر. وهكذا يصبح منع الطرف الآخر من الربح أهم من أن تربح هي. فكيف اذا صارت سوريا ملعباً لكل الأطراف الخارجية دولياً واقليمياً ولكل أنواع التنظيمات المسلحة المتطرّفة والمعتدلة؟ وكيف اذا كانت الاهتمامات الاستراتيجية تتقدم كثيراً على الهموم الانسانية، بحيث يبدو القتلى والجرحى والمعتقلون والمخطوفون والنازحون في الداخل واللاجئون الى الخارج، وهم أكثر من نصف الشعب السوري، مجرد أرقام؟
الواقع، على الرغم من التغيير الذي أحدثه التدخل العسكري الروسي المباشر، ان اللعبة تدار ضمن وهمين: وهم الرهان على حلّ عسكري كما لو كانت سوريا اليوم هي سوريا قبل خمس سنوات، ووهم الرهان على حلّ سياسي كما لو كان الصراع لا يزال بين نظام ومعارضة فقط. فالقوى المتدخلة في الحرب جعلت الحل العسكري الصعب مستحيلاً والوضع أشدّ تعقيداً. وأي حلّ سياسي محكوم بأن يعكس، لا فقط التوازنات بين السوريين بل أيضاً الأوزان الاقليمية والدولية وتنظيم النفوذ الخارجي.
وعلى صورة سوريا ومثالها سيكون الشرق الأوسط.