«العته هو أن نكرر التجربة ذاتها بكافة تفاصيلها وأن ننتظر نتائج غير ما حصلنا عليه في المرات السابقة!» (ألبرت أينشتاين)
لنكن واضحين هنا، لا شك أن «داعش» تمكن من أن يحدث صدمة إعلامية كبرى من خلال الفظائع التي تدفع بها قادته إلى وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي. فكرة «داعش» هنا تستند إلى منطق نشر الرعب في صفوف الأعداء ودفعهم إلى التسليم خوفاً على أنفسهم، بالطبع فهذه سياسة ضاربة في القدم ولا أظنها اليوم تنفع إلا بدفع جميع المتضررين إلى التكتل لمواجهة الخطر الوحشي.
سياسة فاشلة ولا شك في عصر المعلومات التي تنتقل كالفيروس في الهواء والماء وعبر الأثير… لكن الخبث كل الخبث في من يقوم بكل تلك الفظائع وأكثر كماً ونوعاً، ولكن بالسر حيناً، وتحت شعار حماية الدولة والنظام أحياناً أخرى، وآخر صرعة هي تحت شعار مواجهة الإرهاب. يعني أن من يحز الرقاب أمام الكاميرات هو أشد وحشية ممن يسحق جماجم آلاف البشر تحت ركام منازلهم، ومن يحرق الناس علناً أكثر همجية ممن ينهش رئاتهم بالغازات السامة وينجح بالهروب من الحساب، أو من يدمر صروح التراث العالمي تحت شعار القضاء على الأوثان أكثر تخلفاً ممن يدمر قلب المدن التاريخية ويقول إنها مشاريع تنظيم مدني!
من الممكن تفهّم قول بعضنا اليوم بعد كل الذي جرى ونكب ملايين البشر دماً ودماراً ورحيلاً في البر وغرقاً في البحر، بأن ذل العبودية في ظل طاغية أفضل من الهوان الذي يعيشه هؤلاء البشر اليوم. لكن أن نذهب إلى تبرئة الديكتاتور ومنظومته، مع أنه هو أصل العلة، وأن نعفيه من تدمير بشر وحجر وحضارات وأرواح بريئة بالبراميل المتفجرة أو بالغازات السامة، مع أن كل هذا كان من الممكن تفاديه لو أن هذا الوحش المسمى رئيساً قرر، قبل خراب البصرة، أن يقبل بتحول بطيء، ولكن مقنع، نحو دولة حقوق الإنسان.
اليوم «داعش» منتشر في كل دول الربيع العربي، إن كان التفضيل يصح، فهل يعني أن صدام أفضل من «داعش»؟ وهل يعني أن معمر أفضل من «داعش»، وهل يعني أن بشار أفضل من «داعش»؟ الواقع الثابت هو أن «داعش» ومثيلاته يشبه الجراثيم الانتهازية التي تنمو وتتكاثر في أكثر المناطق ضعفاً من الجسم حيث تقتات على العفن، فكيف إذاً بجسم بلد كله مريض من جراء القمع والبطش والفقر واليأس؟
هذا بالضبط حال البؤر الداعشية اليوم تعيش وتستمد بقاءها على اليأس الذي خلفه حكم الأسد الأب والابن وما يشابههما في العراق وليبيا ومصر وتونس، وعلاج هذه الحالة غير ممكن إلا بإزالة البيئة التي سمحت بنموها، وفي وضع سوريا يبدأ العلاج بالتأكيد على أن الأسد راحل.
لقد سنحت للعالم فرصة منذ سنتين لاختصار المأساة السورية وربما محاصرة إمكانية انتشار الوباء الداعشي لو أن الرئيس الأميركي لم يتراجع في اللحظة الأخيرة عن ضرب النظام في سوريا على خلفية استعمال السلاح الكيميائي في الغوطة، فلو تلقى بشار تلك الضربة لكان ربما أذعن لمنطق الحكومة الانتقالية مع الحفاظ على هيكلية الدولة والتحول التدريجي إلى حكم متوازن؟ لكن بشار فضّل تدمير البلد ومؤسساته تاركاً المجال بشكل مباشر وغير مباشر لـ«داعش» ليملأ الفراغ الذي تركه التردد الأميركي في الحسم. فهل يمكن للعالم اليوم أن يقضي على «داعش» من دون التخلص من أسباب نشوئه؟