يُصرّ قادة «حزب الله» على قلب الحقائق ووقائع الحرب الميدانية التي يخوضها حزبهم في القلمون لدرجة تجعلهم يزفّون النصر إلى جمهورهم أكثر من ثلاث مرّات في اليوم قبل أن يعودوا وينقلبوا على أعقابهم في اليوم التالي عند خسارتهم المزيد من العناصر والنقاط الاستراتيجيّة.
لا جديد على صعيد معركة القلمون منذ أعلن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله بدءها ولغاية اليوم، سوى الانتصارات الوهميّة التي تزفّها وسائل الإعلام التابعة له وارتفاع أعداد القتلى في صفوفه بشكل غير مسبوق لدرجة أن أي مُقارنة بين خسائره في الأرواح خلال حرب تموز وما قبلها من حروب، تسقط أمام العدد الفعلي الذي تجاوز حتّى مطلع الشهر الجاري الألف وخمسمائة قتيل وأكثر منهم من الجرحى منذ تدخّله في الحرب السوريّة.
كل المؤشّرات تدّل على الواقع المأزوم الذي يعيشه «حزب الله»، وهذا ما يظهر بشكل جليّ من خلال تصريحات «النصر» التي يتفنّن بها قادته، فمرّة يرمي هؤلاء بعجزهم على دول عربيّة ويتّهمونها بدعم الإرهاب وتمويله، ومرّات بإتجاه الداخل اللبناني متّهمين الطرف المناوئ لمشروعهم السياسي والعسكري بالعمل على كشف الساحة الداخلية أمنيّاً، لكن الحقيقة واحدة وهي أن الحزب يُكابر على أوجاعه ويرفض الاعتراف بورطة أوجد نفسه فيها بدأت تأكل مما تبقّى له من رصيد سواء في الشق المعنوي أو المادي.
أمس الأوّل وجّه نائب رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق خلال مناسبة عزاء في الجنوب اتّهاماته صوب الدول العربية ليتّهما بدعم ورعاية تنظيم «داعش» وما أسماها «العصابات التكفيريّة»، كما وصف جزءاً من اللبنانيين بـ«مخبري السفارات». هي لعبة مُستجدّة يلجأ اليها عادة قياديو الحزب أمام جمهورهم في الأوقات الصعبّة والحرجة، وما أعاد النغمة ذاتها خلال الأيّام الماضية سببه الأساسي الخسائر البشريّة الكبيرة التي لحقت به في سوريا بحيث لم يكن يمر يوم إلّا ويُعلن فيه عن سقوط ما بين ثلاثة وسبعة عناصر بمُعدّل مئة عنصر في خلال كل شهر على أقل تقدير، ما جعل أحد وجهاء إحدى القُرى الجنوبيّة يُعرب عن خشيته بعد خسارة قريته ثلث عدد عناصر الحزب تقريباً فيها وهم ثلاثة عشر عُنصراً من أصل أربعين، الأمر الذي يُنذر برأيه بفاجعة غير مسبوقة فيما لو استمرّ وضع خسارة المُقاتلين على حاله سواء في الجنوب أو البقاع أو الضاحية الجنوبية.
النبرات العالية والاتّهامات بالعمالة باتت جزءاً أساسياً من معركة «حزب الله»، في المُقابل تجري مواجهته من قبل خصومه السياسيين اللبنانيين بالاكتفاء بدعوته للخروج من المستنقع السوري حفاظاً على أرواح الشباب الذين يتم استنزافهم هناك حتّى أن جمهور الحزب نفسه لم يعد يُعطي أهميّة زائدة لمُحاضرات قادته الذين يتنقّلون بين مجلس عزاء وآخر نظراً لتكرار الخطاب نفسه والمُغاير كُليّاً للواقع الميداني، وهذا ما يظهر إلى حد ما من خلال الوجود الشعبي الذي بات يقتصر على أهل القتيل وأقاربه وأصدقائه، ثم ان هناك أمراً آخر يختصر كل الآلام وهو حصول أكثر من عملية تشييع ومجالس عزاء واستقبال جرحى في عدد من القرى الجنوبيّة والبقاعية خلال يوم واحد، وهذا ما يجعل الأهالي يتلهّون بمصائبهم في الكثير من الأحيان.
ما عاد للأرقام داخل «حزب الله» أهميّة بعدمّا حوّل الموت إلى أمر شبه اعتيادي داخل بيئته، ورغم الخسائر الفادحة التي تُحاصره وتُلاحقه، يُصرّ قادته على توزيع «شهادات» الموت بشكل مُتفاوت بين القرى والبلدات، لكن الثابت الوحيد والأساس في كل ذلك أن عمليّات التشييع داخل «حزب الله» تحوّلت من حالة «المُفرّق» الى «الجُملة»، وكأنّها خطوات استباقية لتشييع «الثُلثين»، وهو ما كان قد تحدّث عنه نصرالله، دفعة واحدة.