لا بد من الاعتراف بحجم الصدمة التي حدثت نتيجة فشل التسوية الاخيرة لتشكيل الحكومة، وأنا وكثيرون كنا من الجازمين بأنها ستتشكل قبل الميلاد المجيد وذلك ليس بسبب الثقة بالطبقة السياسية، بل لأهمية تشكيلها وضرورتها المطلقة لكل اللبنانيين بدون استثناء، احزاب وطوائف وأفراد، تفادياً لمخاطر تحولات المرحلة الانتقالية التي تشهدها المنطقة من مجتمعات النزاع الى مجتمعات الانتظام، والتي تنذر بتغييرات صادمة ومؤلمة، اذا لم يلتزم كل اللبنانيين بشروط الدولة وليس بالشروط على الدولة مما أدى الى فشلها وانهيارها مرات ومرات.
يسيطر صمت مريب هذه الايام على الأطراف السياسية المعنية بتشكيل الحكومة، وذلك لأن الجميع باتوا يدركون، ان ما من احد في المنطقة او العالم مستعد للاهتمام بالترف اللبناني بابتداع المعوقات والنزاعات ودعوة الاخرين الى حلها، اذ يبدو ان الخارج بدأ ييأس من اللبنانيين بعد كل ما قدمه لهم من دعم ومساعدات سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية وقوات دولية ومؤتمرات إنمائية، ويعتقدون بعدم أهلية القوى السياسية في قيادة مجتمعاتهم ودولتهم، وهذا ما فرض على جميع السياسيين التزام الصمت بعد فشل تشكيل الحكومة، باستثناء بعض الإشارات والإيحاءات واعتبار ان العملية التعطيلية برمتها وسيناريوهات حلها الفاشلة كانت غير موفقة وغير ضرورية في هذه الظروف الاستثنائية المعقدة.
لا بدّ من التوقف عند ظاهرة شعور البعض بالخجل من تولي الوزارة وكأن المنصب الوزاري قد اصبح تهمة بعد أن كان ميزة ونعمة، والأخطر من ذلك هو شعور معظم اللبنانيين بالخجل من كونهم لبنانيين مع عدم اكتراثهم بتشكيل الحكومة وبما يقوله السياسيون، تماما كما حدث ابان الشغور الرئاسي الطويل، ومع عودة مظاهر التفلت السياسي بأشكال مختلفة في الشارع والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مع توهم البعض بان هناك رابحا وخاسرا في هذه المأساة الخطيئة المتمثلة بانهيار الدولة اللبنانية وتداعياتها السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والمؤسساتية.
حاول البعض اخفاء فشله بالحديث عن الانسحاب الاميركي من سوريا، والبعض الاخر تحدث عن التدخلات الروسية، واخرون عن المفاوضات الأوروبية الايرانية حول العقوبات الاميركية، والبعض ذهب الى تحميل المسؤولية للتطورات المستجدة في العلاقات العربية السورية من دون ان ننسى الهمس الدائم حول التدخلات الاسرائيلية، باستثناء بعض التلميحات الخجولة والغامضة التي قاربت الحقيقة المؤلمة، حول الخفة والارتجال في التعامل مع اهمية تشكيل الحكومة وابتداع أعراف جديدة تشبه الأحكام العرفية بإعدام فكرة الدولة الوطنية اللبنانية.
حاول البعض استيعاب الخيبة الكبرى التي اصابت عموم اللبنانيين، وذلك بالتلميح الى الدولة الفيدرالية وفشل العيش الواحد بين المسلمين والمسيحيين، واخرون باشروا بالحديث عن الدولة المدنية بعيدا عن الطائفية، والبعض الاخر بدأ بالترويج للعودة الى اليمين واليسار وبعيدا عن العلمانية، وهناك من يتحدث عن ابتداع ثنائيات طائفية جديدة، وجميعهم متناسون كل ما تسببوا به من خلال تغولهم على الدولة واسبابها ومؤسساتها ومواردها، وكيف انهم حملوها فشلهم وفسادهم، وتصرفوا كمحتلين لدولتهم، وتناسوا عذابات اهلهم مع الغبن والخوف والحرمان والقتل والدمار والتهجير والاحتلال والوصاية والاغتيالات.
اعتذر من كل الذين صدقوني في الأسابيع الماضية بان الحكومة ستتشكل قبل الأعياد وخاب أملهم، ورغم أني ما أزال على يقيني بأن الانتظام بالدولة الوطنية هو خشبة الخلاص الوحيدة لكل القوى السياسية، ومع اعتقادي بان الحكومة قد تتشكل في الايام القادمة، الا ان ذلك لم يمنعني من الشعور بالحزن العميق لأني اخجل من كوني لبنانياً.