Site icon IMLebanon

«أنا ابن الشهيد يا أمّي»

لا يكاد ربيع يستطيع فتح الباب بيديه، ليدخل إلى المنزل ويمشي بخطوات غير متوازنة في الممرّ. يحدّق ابن السنة وشهرين بالصّورة الكبيرة. يمسك برجلَي أمّه، لعلّها تحمله إلى ذاك الضّاحك. يمرّر يديه الصغيرتَين على الصّورة. يتأمّلها، يضحك، يرفع رأسه ولا يلبث أن يطبع قبلة صغيرة على خدّ ضياء.

يرتبط الفرح بالصّورة. لا تجد والدته سبباً لما يسرّه كلّما نظر إليها. ومع ذلك، تصرّ ضياء على أن تكون الوقفة هنا… يوميّة، تماماً كما تصرّ على أن تجلس على طرف السرير. تُمسِّد شعره الأسود الكثّ، وتخبر ربيع: «كان يا مكان. في طفل صغير إسمه ربيع، كبر وصار بطلاً…».

لا تنهي ضياء القصّة. تنتظر أن يكبر ربيع الصغير قليلاً لتخبره النّهاية، وتحكي له عن «بطلٍ» أخذ هو ملامحَ وجهه وطريقةَ مشيته وكلامَه وعزّةَ نفسه، والكثيرَ من صفاته.

كيف أخذ ربيع الصغير من والده كلّ ذلك؟ لا تملك ضياء إجابة. جلّ ما تفعله أن تزيد أوجهَ الشبه، لكي ترى زوجها في وجه ابنها. تحاول أن تعلِّمه التّفاصيل التي كان يواظب عليها والده الشهيد ربيع كحيل.

تقصّدت ضياء أن تتسوّق لربيع الصغير «شورت» وقميصاً أبيض اللون. التقطت له صورة وهو يمشي في الصالون. تقصّدت ذلك، ثم جمعت الصّورتَين. ربيع في الثياب نفسها والمكان نفسه.. وربيع الصغير أيضاً. ترسم صوراً للمستقبل، سيحتفظ بها الصبيّ، كما لو أنّها جزء من هويّته.

وبانتظار تلك اللحظة، تضع ضياء ربيع في حضنها. تمسك بهاتفها وتقلّب الصور، وتحدّثه عن «بابا». الأب المقدام الذي صار تحت التراب. «هو بطل. فارس. انظر إلى ضحكته».

أمس تعلمت ضياء كيف يحيي أهل الشّهيد الذكرى. كيف يصير لحبيبها ذكرى سنويّة وأن يكون له اسم جديد: «الشهيد».

تحمل ضياء حمّود ربيع الصغير، تملأ يومه بضجّة الأقارب والأطفال. تكتب كلّما اشتاقت، وإن كانت تمسح الحزن بالفخر. تبتعد عن الأماكن التي يمكن أن تسمع فيها عبارة «يا حرام». هي لا تريد شفقة، ولا تريد ابناً يتيماً. هي مقتنعة أنّ ما تركه كان رسالةً. وإبن الشهيد ليس يتيماً، «بل أمانة وعزّة».

تتمنّى أن ترى رجلاً يقف أمامها ويهمس في أذنها: «أنا ابن والدي يا أمي… أنا ابن الشّهيد».