يأتي إنجاز دار الفتوى لانتخابات المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، خطوةً في سياق استكمال استحقاقاتها الإنتخابية أولاً، وفي إطلاق مرحلة جديدة ثانياً، عنوانها تراجع التأثير السياسي الذي كان حاضراً ومؤثراً في المؤسسات الشرعية في كل المراحل السابقة. وقد قرأ نائب “الجماعة الإسلامية” الدكتور عماد الحوت، في مشهد الإنتخابات وحجم الإقبال وطبيعة النتائج، “رسالةً واضحة ورداً ثابتاً وعملياً على عدم صحة مقولة أن الساحة السنية مشتتة”، مشيراً إلى أن “المعطيات الواقعية، تكرس وجود تنوع في الآراء ولكنها ليست مشتتة بالطبع، وهذا الواقع يتكرّس عند كل استحقاق يتمّ إنجازه من دون أي إرباكات، فالتنوع موجود ولكن التشتت غير صحيح في الساحة السنية”.
وفي هذا السياق، أكد الحوت لـ “الديار” أن المشاركة كانت “ممتازة في كل المناطق التي حصلت فيها انتخابات المجلس الشرعي التي تميّزت بتراجع التدخل السياسي، أو قدرة القوى السياسية على التأثير، علماً أن البعض قد حاول التأثير ولكن من دون أي نجاح، كما أن الناخب هو الذي اختار مرشحيه وسط أجواء من الحرية”.
وحول أجواء المنافسة الحادة التي سُجّلت في مناطق معينة دون أخرى، يوضح أن “المنافسة طبيعية، لأن الجميع يمتلك الحق في تبنّي أي خيار أو ترشيح، ولكن في النهاية فإن الهيئة الناخبة قد حسمت وبأصوات عالية، في ضوء الفروقات الواضحة في الأرقام بين الفائزين والذين لم يحالفهم الحظ؟”
ورداً على سؤال حول مشهد ما بعد الإنتخابات، يكشف عن “رسالتين واضحتين: الأولى تفيد بوجود تنّوع في المكوّن السنّي، وبغياب أي تفرّد من اي جهة بقرار المكوّن السنّي بعد الآن، حيث أن لا أحد يستطيع الإدعاء بأنه يمتلك القرار السنّي، والرسالة الثانية تشير إلى أن المكوّن السنّي ومن خلال تنوّعه، يستطيع التعامل مع الإستحقاقات كجسمٍ واحد وبالتالي، فإن الإستحقاقات تمرّ من دون أي إرباك أو إشكال”.
وفي الخلاصة، يعتبر أن “كل الذين ترشّحوا وخاضوا هذه الإنتخابات، وبمعزلٍ عن النتيجة التي حققوها، سواء نجحوا أو فشلوا، هم بالنهاية أبناء دار الفتوى وكلهم تحت الخيمة الكبيرة التي تمثلها دار الفتوى”.
وعن تمثيل ومشاركة “تيار المستقبل” والنتائج التي حققها المرشحون الذين دعمهم، يرى أن “المستقبل هو مكوّن من المكوّنات على الساحة السنّية، ومن حقه أن يحاول التعبير عن صوته بالتبنّي أو الترشيح أو بالتصويت وهذا أمر طبيعي، ولكن انطلاقاً من مشهد الإنتخابات، من الثابت أن تأثير القوى السياسية المختلفة قد تراجع على الهيئات الناخبة ،التي باتت تختار وفق معاييرها وقرارها الخاص”.
وعن ترجمة هذا الواقع سياسياً، يرفض “تحميل محطة انتخابات المجلس الشرعي، أكثر مما تحتمل، خصوصاً وأن الإنتخابات أصبحت وراءنا، كما أن المجلس قد تشكّل برئاسة المفتي وبدأنا اليوم الحديث عن الغد الآتي”.
وعن التأثير السياسي في الملفات الداخلية كالإستحقاق الرئاسي على سبيل المثال، يشدد على “عدم وجود أي تأثير من هذا النوع” معتبراً أنه “جزئيةً من مشهد كامل وليس أكثر”.
ويؤكد الحوت رداً على “من يسعى للإيحاء بأن الساحة السنّية ضعيفة ومهددة”، بأنه “عليه أن يقرأ في نتائج الإستحقاقات المتعددة التي حصلت من انتخابات المفتيين إلى انتخابات المجلس الشرعي، والتي نجحنا في إنجازها بسلاسة ومن دون أي إرباك، ما يثبت حضور ودور المكوّن السنّي الفاعل في الخيارات السياسية، ولكن أبعد من هذا الأمر لا يوجد أي بُعدٍ آخر”.