تحمل الصورة التذكارية لحكومة الرئيس سعد الحريري الثانية، والأولى في عهد الرئيس ميشال عون، الرقم 74 في الأرشيف الذي احتضن منذ العام 1943 الصورة الأولى لحكومة الاستقلال، وبعدها كرّت سبحة الحكومات والوجوه والسير والصور.
وكانت موضة حقبة الأربعينات بعيدة عن صيحات هذه الأيام، إذ أنها تضمنت جاكيتات تشبه المعاطف وسراويل مختلفة في الألوان ومحارم مشبوكة في الجيوب وربطات عنق عريضة وملونة، ومع ذلك لم يتوقف اللبناني كثيراً، هو المأخوذ بأناقته وهندام غيره، عند الزي المتبدّل للوزراء منذ عهد الرئيس رياض الصلح وصولا إلى صورة الأمس على درج حديقة الرؤساء في القصر الجمهوري في بعبدا، فالقماشة واللون والقصة والتفصيل، أعمق في ما يخص حياكة التشكيلة الحكومية، وهي حياكة بأهمية القطبة وجودتها في بلد لم يكن يوماً بمنأى عن المطامع والخضات والمفاجآت منذ إعلانه حراً مستقلاً بدلالة هواجس البيان الوزاري الأول قبل 73 عاماً، وقد تطرق في حينها الى «مخاطر المرحلة»، و«الاستقلال الصحيح» و«الاستفادة من الدعم الدولي» وضرورة السعي الى «قلب أوضاع تأصلت مع الزمن تاركة في النفوس آثارها العميقة» و«الابتعاد عن السياسات الضيقة التي ألهت اللبنانيين بأمور محلية محدودة وأورثت الاختلافات والأحقاد نحو آفاق أوسع تليق بالذكاء اللبناني ونشاطه».
وفي البيان القديم-الجديد: «الاستقلال ليس أنانية قومية وارضاء لعزة النفس الوطنية فحسب»، مذكرا بضرورة «معالجة الطائفية» مع التنبيه من «القاعدة الاقليمية التي ان اشتدت جعلت من الوطن أوطانا متعددة» والدعوة الى «قانون انتخابي يضمن التمثيل الشعبي» مع الحرص على العلاقات الدولية ، ولاسيما « أن يضع علاقاته بالدول العربية الشقيقة في طليعة اهتماماته «، والتأكيد بأن «لبنان وطن ذو وجه عربي يستسيغ الخير النافع من حضارة الغرب» و«محاربة الفساد « و«تعزيز السياحة»و»اصلاح النظام المالي» و«الاهتمام بالمغتربين وبالصحافة والتربية» …وفي كل ما تقدم من عناوين تضمنها البيان الوزاري الاستقلالي، ولا تزال تتضمنها البيانات الوزارية على مختلف العهود والوزارات، يبحث اللبناني في الصورة التذكارية عن وجوه يأمل فيها أن تأتي بالخير والفعل في وطن لا تليق به أن تكون خطوطه الحمراء ليست أبعد من الطائفة والمنطقة، ومعها لا تعود ربطة العنق المنقّطة أو المخططة أو السادة ذات أهمية، ولا حتى دلالات ترتيب الوزراء في الصف الأول أو الثاني أو الثالث ، ومن كان بجوار من ومن ابتعد عن من ومن كان يبتسم أو جاء ساهيا أو أخذ من حصة الآخر في اللقطة التي تؤسس لاستحقاقات جوهرية واعدة أكثر مما تؤسس لملامح وجوه قد تشيد بها الأجيال المقبلة أو أنها تتجاوزها.