IMLebanon

الصورة قاتمة والمشهد غامض والمنطقة في “النفق المسدود”

انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة كان الحد الفاصل بين مرحلتين في المنطقة والعالم، ما بعد ترامب ليس بالتأكيد مثل ما قبله وسيكون مختلفاً كثيراً وبدأنا نرى التغييرات والتحولات تطل برأسها وتعيد خلط الأوراق وتأجيج النزاعات والصراعات.

كان من المتوقع ان يحمل ترامب معه تغييراً في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط ولكن لم يكن من المتوقع ان يحصل ذلك في سرعة قياسية فيبادر منذ لحظة تسلّمه الى تصفية “إرث اوباما” وفتح النار على ايران والتلويح بعقوبات جديدة عليها وبمحاولة الغاء الإتفاق النووي معها او تعديله، وكذلك اعلانه عن محاربة داعش واخواتها والاحزاب والميلشيات المرتبطة بايران.

وما كادت التغييرات في السياسة الأميركية ترتسم ملامحها حتى تعزّز التقارب بين تركيا والسعودية واشتدّ الرهان على ترامب “لإصلاح” ما افسده اوباما، وحصل توتر بين تركيا وايران لم يكن موجوداً في ايام اوباما، وهيمن الصراع “السنّي – الشيعي” من جديد على الصراع العربي الإسرائيلي في ظل تراجع إضافي في مكانة القضية الفلسطينية التي صارت مهملة ومنسية وفي اسفل الترتيب العالمي للقضايا المحقة والعادلة، وبدل ان يحصل تقدم في عملية السلام، حصل تراجع وسقط “حل الدولتين” وتكثّف الإستيطان وعاد التوتر الى قطاع غزّة وحدثت في مصر عمليات اعتداء ضد الأقباط في سيناء في محاولة لتهجيرهم.

اذن المشهد ضبابي وغامض في توجهاته وتقلباته، والصورة قاتمة والمنطقة ما زالت في “النفق المسدود” ولبنان ما زال مطوقاً بزنّار من نار ومحيط مضطرب ومتفجّر، والإعتقاد الذي ساد نهاية العام الماضي بأن لبنان اجتاز قطوعاً كبيراً وخطيراً مع سلوك الأزمة السورية طريق المفاوضات والعملية السياسية، تبين انه اعتقاد متسرّع وفي غير محلّه لأن ما ينتظرنا من احداث ومفاجآت لا يقل خطورة عما سبق وحدث في السنوات الماضية وأخطر ما فيه انه يمكن ان ينفذ الى الداخل اللبناني بسبب الوضع الهشّ والمثقوب بالثغرات ونقاط الضعف والإنقسام الوطني والسياسي في ملفات اساسية.

فإذا كان لبنان نجح طيلة ست سنوات في تحييد نفسه، ارضاً وشعباً، عن حرائق وازمات المنطقة ولا سيّما منها “الحريق السوري” وكان بمثابة “واحة استقرار في صحراء مشتعلة”، فإن لبنان يواجه اختباراً جديداً، اشدّ وادهى، وعلى المسؤولين والقيادات فيه ان يكونوا متيقظين لطبيعة وخطورة المرحلة والضغوط التي تدفع بهذا الوطن الصغير لأن يصبح جزءاً من محيطه المتفجّر وان تصبح ساحته إحدى ساحات الصراع والتجاذب في المنطقة.

مما لا شك فيه ان انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة شكلا خطوة اساسية على صعيد انتشال الوضع في حال الإنحدار والفراغ ووضعه على سكة الإستقرار وانتظام عمل المؤسسات وتفعيل اداء الحكم وانتاجيته.

ولكن هذا لا يكفي، والوقوف عند هذا الحد سيكون بمثابة “نكسة وطنية ومعنوية” في مطلع العهد الجديد الذي عُلّقت عليه آمال عريضة وبُنيت عليه توقعات طموحة، ولكن حصل ما ادّى الى الحدّ من زخم الإنطلاقة والى نشوء حال ترقب وحذر بفعل اشتداد الخلاف السياسي حول قانون الإنتخاب وتعريض الإنتخابات لخطر الضياع والتأجيل وعودة الإنقسام حول خيارات ومحاور اقليمية.

فإذا كانت الحكومة اتخذت لنفسها عنواناً وشعاراً هو “حكومة استعادة الثقة” فإنها لم تحقق شيئاً حتى الآن في هذا الإتجاه، فلا قانون الإنتخابات أمكن الإتفاق عليه ولا الموازنة العامة اُقرت، ولا العودة الخليجية الى لبنان سياحة واستثماراً تحققت او في طريقها لأن تتحقق هذا الصيف اذا استمرّت الأمور والأجواء على هذا المنوال.

واذا اردنا ان نكون واقعيين ومنسجمين مع التطورات الجديدة المتلاحقة السريعة في ايقاعها والخطيرة في ابعادها والتي لم يكن ينقصها الا التهديدات الإسرائيلية بشنّ حرب جديدة ضد حزب الله، علينا ان نحدد هدفاً وطنياً مركزياً هو تحييد لبنان عن الصراع المتجدد في المنطقة وتحصين وضعه الداخلي بإقفال كل اسباب النزاعات والخلافات السياسية والإنتخابية التي كادت ان تعيد اجواء “الحرب الأهلية” وتعيد انتاج مفرداتها وتعابيرها.

وكي لا نبقى في اطار النظريات، يقتضي الحفاظ على الإستقرار الأمني والسياسي والإقتصادي وايلاء ثلاث مسائل اساسية الإهتمام وحسن التصرف والتقدير:

1- على صعيد الوضع الأمني ينبغي إقفال ثغرة مخيم عين الحلوة حتى لا يتحول الى بؤرة إرهاب ومصدر تهديد للأمن والإستقرار في صيدا ومحيطها وحتى لا تتنقل عدواه الى المخيمات الفلسطينية الأخرى خصوصاً في بيروت ولا يظل مصدراً للعمليات الإرهابية والإنتحارية، وهذا يستدعي طريقة جديدة، حازمة ومسؤولة، من جانب المرجعية الفلسطينية في المخيم في التعاطي مع ازمة المخيم وبالتعاون والتنسيق مع الدولة والسلطات اللبنانية.

2- التوقف عن المناورات وعمليات التمويه والتضليل والخداع في موضوع قانون الإنتخابات وليكن الإعتراف بالواقع الذي يفيد ان لا امكانية لقانون انتخابات جديد في هذه المرحلة وان الإتفاق السياسي عليه متعذّر بسبب الفيتوات المتبادلة وبسبب ان المعلن من المواقف هو غير المضمر.

لنعترف اننا صرنا امام واقع الخيارات فيه هي بين السيء والأسوأ، وبالتحديد هناك ثلاث خيارات هي الفراغ والإنتخابات على اساس قانون الستين او التمديد لمجلس النواب.

وازاء هذا الواقع فإن التمديد هو “افضل الأسوأ” او “الأقل سوءاً” لأن الفراغ يضع لبنان في ازمة وطنية كبيرة وفي المجهول، ولأن الإنتخابات على اساس قانون الستين هي ملهاة “ومسخرة” وستعيد انتاج المجلس النيابي نفسه والوجوه نفسها ولمدة اربع سنوات، وبالتالي فإنه من الأصح والأنسب التمديد للمجلس الحالي لفترة محددة بأشهر قليلة وسنة كحد اقصى مما يؤدي الى سحب فتيل الإنفجار السياسي والى إعطاء فسحة وفرصة جديدة لوضع قانون انتخابات في اجواء اكثر هدوءاً واقلّ تشنجاً.

3- الحفاظ على ما تحقق في العلاقات اللبنانية الخليجية من تصحيح وتصويب واعادة وصل ما انقطع بعد زيارات الرئيس ميشال عون الاخيرة، وبما يبقي على الإنفراجات الإقتصادية والمالية المتوقعة بدءاً من هذا الصيف لتعويض خسائر العامين الماضيين، ان صيانة العلاقة بين لبنان ودول الخليج تكون على قاعدة تحييد لبنان الرسمي، دولة وحكومة، وهنا وفي هذا المجال تحديدآ لا بد لنا من القول ان مواقف رئيس الجمهورية الاخيرة فيما خصّ المقاومة وسلاحها ودورها في محاربة اسرائيل هو موقف ضد اسرائيل وشأن منفصل عن العلاقات مع الدول العربية والخليجية.

 ليبانون فايلز