يمكن القول إن صورة الوضع السياسي في البلاد تبدو على الشكل الآتي:
أولاً: لا يزال العماد ميشال عون عند موقفه الذي أعلنه وهو في باريس: “إما أن أكون رئيساً للجمهورية، وإما أعطّل النظام في لبنان”.
ثانياً: لا يزال موقف “حزب الله” هو موقف المتضامن مع العماد عون في موضوع الانتخابات الرئاسية، وربما في موضوع قانون الانتخابات النيابية خصوصاً بعدما أكدا تكاملهما وإنْ برأسين… فكما إن “حزب الله” يغطي مواقف عون السياسية لا سيما تلك التي لها علاقة بالانتخابات الرئاسية، فإن العماد عون يغطي أعمال “حزب الله” العسكرية في الداخل وفي الخارج مثل 7 ايار 2008 والتدخل العسكري في الحرب السورية، والإبقاء على سلاح الحزب في أي استراتيجية دفاعية توضع للبنان.
ثالثاً: إن إيران لم تصبح جاهزة بعد لتقول كلمتها في الانتخابات الرئاسية في لبنان كي يكون لـ”حزب الله” موقف، وكذلك للعماد عون الذي إما أنه يجاريه في هذا الموقف لحسابات انتخابية، وإما يرفض إذا كانت له حسابات مختلفة.
لقد أعلن “حزب الله” ترشيحه العماد عون للرئاسة الأولى وتضامن معه في تعطيل جلسات الانتخاب الى ان يضمن فوزه فيها بالرئاسة وإلا استمر التعطيل في انتظار كلمة إيران التي لم تقلها بعد ولا أحد يعرف متى، وهل قولها مرتبط بنتائج المفاوضات حول الملف النووي أم بنتائج التطوّرات في العراق وسوريا واليمن مهما طال انتظارها، أم إن إيران لسبب من الأسباب قد لا تدع لبنان ينتظر طويلاً للخروج من أزمة الانتخابات الرئاسية، فتقوم مقام مؤتمر الدوحة، وبالتفاهم مع الولايات المتحدة الاميركية والسعودية، في طرح حل يبدأ بانتخاب رئيس من خارج 8 و14 آذار، ويكون لهذا الرئيس رأي في قانون الانتخابات قبل الدعوة الى انتخابات نيابية تجرى على أساسه. وبما أن لا أحد يعرف متى تقول إيران كلمتها ليعمل “حزب الله” بموجبها، فإن عون يبقى مرشح مقاطعة لا مرشح انتخابات رئاسية، وتبقى إيران ممسكة بأوراق اللعبة في لبنان من خلال الثنائي عون – نصرالله، وهي أوراق تستطيع بها أن تحدث فراغاً شاملاً في لبنان إذا لم تقبض الثمن السياسي الذي تريد أو تبعد بها خطر حصول هذا الفراغ عند قبضها الثمن.
الواقع أن الدول المعنية بوضع لبنان كان لها مصلحة مشتركة في التوصل الى تشكيل “حكومة تسوية” تستطيع تسوية الممكن ووضع غير الممكن جانباً. وقد التقت هذه الدول على وجوب تشكيل هذه الحكومة بعد مرور أكثر من عشرة أشهر من شدّ حبال ومماحكات، لكن هذه الدول اختلفت على انتخاب رئيس للجمهورية لأن إيران تريد رئيساً متعاوناً مع “حزب الله” ومؤمناً بجدوى سلاح المقاومة وحق تدخله حيث يرى ذلك “واجباً وطنياً مقدساً”… رئيساً يكون له موقف ملائم في قانون الانتخابات وفي سياسة لبنان الخارجية والدفاعية، وهو ما يرفضه الطرف الآخر كما يرفضه الخارج المعني بوضع لبنان، اذ يرى أن يكون رئيس الجمهورية توافقياً ومقبولاً من الجميع، والحكومة التي يتم الاتفاق على تشكيلها هي التي ترسم سياسة لبنان الداخلية والخارجية. فإذا استمر الخلاف بين الاطراف في لبنان والاطراف في الخارج، فإن لبنان يبقى معرضاً لخطر اللااستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، إذ أن الثنائي عون – نصرالله سيواصل عندئذ تعطيل النظام في لبنان، فلا اتفاق على رئيس للجمهورية، ولا مجلس نواب ينبثق من انتخابات نيابية جديدة، بل استمرار للمجلس الحالي بفعل التمديد حتى نهاية ولايته سنة 2017، وحكومة معرضة للانفجار من الداخل في أي وقت.
لذلك، فإن خطوة العماد عون بعد التمديد لمجلس النواب خلافاً لرأيه، هي عرقلة إقرار أي قانون جديد للانتخابات إذا لم يكن يترجم نص المادة 24 من الدستور، أي توزيع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين ونسبياً بين طوائف كل من الفئتين ونسبياً بين المناطق. وقد طلب تفسير هذه المادة ليثير جدلاً عقيماً. أما إذا تمّ التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية من دون موافقة إيران ومن معها في لبنان، فإن هؤلاء قد يعتبرون انتخابه غير شرعي كونه ينبثق من مجلس نواب ممدد له وهو غير شرعي أيضاً. وعندها تبدأ معركة تعطيل النظام التي هدد بها عون عندما كان في فرنسا.
وهكذا تضع قوى 8 آذار، وتحديداً الثنائي عون – نصرالله، قوى 14 آذار أمام الخيارات الصعبة، فإما أن يكون عون رئيساً أو لا رئيس، أو بحصر الترشيح بعون وجعجع كما اقترح الوزير جبران باسيل، ليختار النواب واحداً منهما بحجة إيصال الرئيس القوي الى قصر بعبدا، وبالتالي إحراج نواب ولا سيما جنبلاط في الاختيار بينهما.
وفي ما يتعلق بقانون الانتخاب فإن “تكتل التغيير والاصلاح” طلب تفسيرا للمادة 24 من الدستور التي تنص على المساواة بين المسيحيين والمسلمين في المقاعد النيابية، وهذا معناه العودة الى “المشروع الارثوذكسي” أو الى ما يشبهه، وإلا قاطع عون وربما حليفه “حزب الله” انتخابات تجرى على أساس قانون لا يفسر هذه المادة ويترجم نصها ترجمة صحيحة، فيصبح لبنان عندئذ بلا رئيس ولا مجلس نواب ولا حكومة فيتحقق قول عون بتعطيل النظام اذا لم ينتخب رئيساً.