كلاهما يبحثان عن ثالث:
المهاجر المغامر الذي ينتصر في رحلته ويصل إلى أرض جديدة، والمتظاهر الخارج من العفن المحيط بأحلام التغيير…
مَن هو الثالث الذي ينقل الأحلام بالتغيير من «المغامرات» أو «القفزات» خارج المتوقع إلى السياسة/ الحكم/ السلطة؟
وهل هذا أوان ظهوره؟ أم أن هذا وقت «الخروج» الكبير بكل ما تحمله رهبة معاندة «الأقدار» السياسية، حيث بدت إفرازات الطبقات السياسية الحاكمة، أقرب إلى ما لا يمكن الإفلات منه… فخلف كل ثورة «داعش» أو ميليشيا موت، آكلة دولة، وتتفجر مع كل انتفاضة قيم متراكمة من سنوات العفن الراقد بكل «شموخ» في وعي ولا وعي المجتمعات التي تحولت إلى «صبيان عصابات» أو بائعي عدمية في الطرق، أو قاذفات لعن الزمن، أو قطعان يصنع منها الزعيم/ الإله/ الحاكم مجده في الأعالي.
من هنا فالأجيال التي تحررت من الاستعمار أطلقت شعارها الفخور: «..لقد جئنا في موعدنا مع القدر..» أما أجيال هذه اللحظة فيعلنون أنهم «ضد القدر..». مغامرات تسميها (الخبرات القديمة) ثورات/ انتفاضات/ حراك… وهي لأول مرة من أجل الحياة.
وهذا يعني في أول خطوة إزاحة «الدولة» التي تأسست على كراهية الحياة/ أو تحويلها إلى «غنائم» يبتلعها الحكام/ المافيا… بينما ينتظر الناس فتافيتهم التي لم يبق منها إلا «الزبالة».. التي تحميها «شبكة اجتماعية» تجعل من أي تحوّل جذري «مستحيلاً»…
ومن هنا فالانتفاض/ الثورة/ التظاهرة ليست آخر خطوة.
ـــــ 2 ـــــ
في الخروج علامة على تفتت «شبكة» القمع.
وهذا «خيال» يعبِّر عنه الحس الكرنفالي والإبداعي في التظاهرات التي انتقل مرحها من القاهرة 2011 إلى بغداد وبيروت 2015… كما انتقلت فيها «قيادة» الأبناء للآباء… فيما تمثله «معجزة» أن يرى الصغير ما منعته «الواقعية» عن الكبار…
لم تستسلم بيروت ولا بغداد إلى هزائم الخروج، برغم أن حصارهما القوي من قبل نظام الطوائف/ المافياوات.. وهذا اقتراح جديد يشير إلى أن طلب التغيير لم يدفن بعد، خاصة وأن كل آلهة الصيغ القديمة لم يعد لديها إلا ترويج صيحات الانهيار، أو البكاء على مآسٍ صنعوها/ أو نشر الخوف من مذابح هم شركاء فيها/ أو وعود برخاء يبتلعه صبيانهم من المنبع.
الطبقات السياسية من القاهرة إلى بغداد مروراً ببيروت تنتفخ ثرواتهم الفاحشة ويتنافسون على مزيد من فحش الثروات، بينما يتوحش الفقر، وتنهار الخدمات من التعليم إلى الصحة والكهرباء، أي أنهم يفعلون كل ذلك من أجل أن يحكموا «خرائب».. ولكي تبقى خرائبهم ليس أمامهم إلا العنف ليبقوا آلهة على هذا الخراب… وهنا لا بد من مد الخيوط بين المهاجر والمتظاهر ليكونا على إيقاع واحد تتسع فيه ثقوب الشبكة الملعونة.
ـــــ 3 ـــــ
كلهم آلهة…
ولهذا يريدون أن يشاركوا «الله» في الحكم. يحشرونه في الدساتير/ والخطب… يقتلون ويسرقون ويبتلعون باسم اتفاقهم مع الله.
كل دول «الخراب» تعادي العلمانية. يروِّجون دعايات الشيطنة للحفاظ على «ألوهية الدولة.. أو خضوعها لسلطة عليا ينوب فيها الحاكم عن الله»..
ولذا يبدو نداء العلمانية من بغداد إلى بيروت، إعلان خفي بالحرب ليس على الفساد فقط، ولكن على جذوره في بيع الله في الطائفة والدولة.
وهنا لا تغيير سيتم من دون «خيال» جديد، لا تحدّه حدود «الدولة» السياسية/ ولا الهوياتية/ ولا يكون أفقها تنظيف مفاهيمها وقوانينها التي تحمي آلهة… الطوائف وقصور الحكم… هم لم يصنعوا نظام الظلم لكنهم استثمروا فيه…
وبلا مبالغة هذه حرب على الزمن، مَن يملك تجميد اللحظة لتبقى ألوهيته وسطوته، بشيطنة فكرة التغيير والتشنيع عليها باعتبارها «مدفوعة الأجر» أو من أسلحة «الجيل السابع» التي تزرع فيها أميركا شرائح إلكترونية تدفع الناس إلى تغيير أوضاعها…
وهذه الخرافات الرائجة، إذا صدقها أصحابها، تعني أن «العفن» وطني أو قومي إلى هذا الحد، وأن الانضواء تحت رايات آلهة الخراب مثل الإقامة في كهف خارج التاريخ… والأهم أن أميركا تريد شيئاً بمؤامرتها أكثر مما يحدث.