كان ذلك في أوج أيام الحرب على لبنان.
وكان الإمام المغيّب في دمشق، ولا أحد يهتدي الى عنوانه.
وفجأة التقى النائب الراحل نصري المعلوف زميلاً له، وهو عائد للتو من مطار العاصمة السورية.
والسؤال الوحيد على لسانه: أريد عنوان الإمام ومكان اقامته، لأن معي خبراً أريد ايصاله اليه، قبل عودتي الى بيروت.
وأجابه حضرة النائب، بأن منزله في جوار منزل قائد سوري رفيع المستوى وهذا هو عنوانه.
أخذ نائب بيروت العنوان، ومضى به الى حيث يقيم سماحة الإمام المغيّب.
وهناك، وقف القائد – الإمام، بقامته المديدة، واعتذر عن عدم مقابلة النائب اللبناني.
بادره نصري المعلوف: معي كلمتان لا ثالث لهما: وضعكم صعب.
وأجابه الإمام المغيّب: أنا أعيش بين الصعوبات.
حاول سماحته ان يمضي الى موعد له، في العاصمة السورية بعد ساعة من الزمان.
إلاّ أن نصري المعلوف بادره بأن الخوف عليكم هو على لبنان، وليس عليكم فقط.
وفجأة أيضاً وصل الى هناك النائب محمود عمار، الذي كان يقطن في محلّة الحازمية وصارحه بأنه هو الذي أشار الى النائب الكاثوليكي بأن نائباً شيعياً أرشده الى مكان اقامته.
وأردف: نحن في لبنان، لسنا شيعة أو سنّة، لا مسيحيين موارنة أو أرثوذكس. نحن لبنانيون من كل الطوائف، لنا طائفة واحدة هي لبنان. وقد أرشدت النائب نصري المعلوف الى عنوانك لأنه مطلوب منه أن ينقل مهمته الى صاحب السماحة.
وعقّب الإمام: وأنا مقيم في الحازمية، في جوار دار الصيّاد، وسأكون بانتظاركم بعد يومين أو ثلاثة.
***
هل كان الوزير السابق نصري المعلوف، يحمل الى سماحة الإمام سرّاً ذهب معه…
إلاّ أن النائب محمود عمار رحل الى الدنيا الثانية، وبقي السرّ الذي ذاع معه، في قلبه أو في صدره.
كان الإمام الصدر رجل رأي حرّ، وصاحب موقف صارم. أحبّه اللبنانيون من معظم الطوائف، وأحبّهم سماحته لأن طائفته هي لبنان لا سواه.
ولذلك، فانه كان يحلو له أن يلتقي المطارنة والأساقفة ورجال الإمامة وعناصر الأئمة ورجال الطوائف، غير عابئ بدين هذا أو بالعلماء من أفذاذ الفكر وكبار العلماء لأن له ايماناً واحداً هو الوفاء للبنان.
وعندما شاعت له عبارة مفادها ان السلاح زينة الرجال، قال في مودة ومحبّة، لقد قصدت ان السلاح للذود عن الانسان، لا لمواجهة الانسان به أخاه الانسان.
***
كان سماحة الإمام المغيّب، صاحب ارادة لا تلين ضد الظلم، لأن ظلم الانسان في رأيه، هو المؤامرة على الانسان، والعدو الغاشم للعدالة والنزاهة.
حارب صاحب السماحة، كل من كان يضمر شرّاً للبنان.
أما ارادته فقد كانت معلماً من معالم الحرية، وعنواناً رائداً لنزوع الانسان الى الانصاف. وسعيه الى نزاهة في الهدف، وعدالة في الغرض.
كان الإمام المغيّب، رجل محبّة بين البشر، وقائد ثورة بين القادة، وصاحب انتفاضة بين المواطنين.
ولعل تغييبه أضفى على قامته الطويلة، مهابة الايمان بنزاهة الانسان.