IMLebanon

صندوق النقد الخيار الوحيد… ونقطة على السطر!

 

 

حزب الله” و”مسرحيّة”… الضوء الأخضر

 

في زمن “الكورونا”، قد يبدو الغوص في القضايا المالية رغم أهمّيتها أشبه بنظريات واهية. رغم ذلك، لا يمكن للأزمة الكورونية أن تخفي المأزق الذي ينتظر الحكومة إن لم تسارع الى اتخاذ حلّ من اثنين: إما الالتزام بتطبيق الإصلاحات التي أوصى بها صندوق النقد الدولي من دون إشرافه، وهو أمر صعب المنال، ويحتّم خسارة الدولارات التي يمكن أن يؤمنها هذا الصندوق بطرق مباشرة وغير مباشرة. أو الالتزام بتوصيات الصندوق والشروع بالإصلاحات اللازمة، واستعادة الثقة دولياً بإشرافه، وهو الجهة التي تملك الخبرات الكافية في الاقتصاد اللبناني كما وكل اقتصادات دول العالم.

في إطلالته الإعلامية الاخيرة، ترك الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله الباب أمام خيار صندوق النقد مفتوحاً، بعدما كان يرفضه خلال الاسابيع القليلة الماضية رفضاً قاطعاً، غير أنه لم يقدّم أي خطة بديلة. عملياً، ذلك يعني أن “الحزب” لا يملك بدائل يمكنها إخراج لبنان من نكبته، لذا فإن عدم القيام بأي إجراءات سيكون أكثر ضرراً، وستتحمل أكلافه الطبقتان المتوسطة والفقيرة في ظل التدابير الاستنسابية التي تُتّخذ وفي ظل غياب القوانين التي تكرّسها جهة دولية من طراز صندوق النقد، وهو ما لا يمكن لنظام قائم على المحاصصة ومكرّس للفساد تأمينه. رفض “الحزب” لاستقدام “أدوات” صندوق النقد كان ينطلق من سببين اثنين: الاول يعود الى التدابير التي يلوّح بها الصندوق والتي تعتبر موجعة هي المتمثلة بزيادة الضريبة على الاستهلاك، وهو ما لا يرحب به “الحزب” بما أن جمهوره أصلاً يعاني من صعوبات معيشية ولا يمكنه بالتالي تحمل أي أعباء إضافية. اما الثاني فيرتكز على علاقة الولايات المتحدة القوية وتأثيرها على قرار الصندوق وهي التي تتمتع بحق الفيتو فيه، وهو ما يثير في الواقع قلق “حزب الله” المتخوف من أي ضغط يمكن أن يُمارس عليه مستقبلاً.

 

يمكن تبرير تخوف “الحزب” المتعلق بفرض ضرائب على الاستهلاك ولكن لا بد من الاشارة الى انه وفي ظل انخفاض النمو، لا يمكن فرض اي ضرائب على المداخيل المقلّصة أصلاً بفعل الازمتين المالية والاقتصادية المستفحلتين. أما فرض ضريبة على الثروات فلا يمكن أن يؤمن الايرادات اللازمة في الوقت الراهن. من هذا المنطلق تبقى توصيات الـ IMF اكثر قابلية للتطبيق.

 

إدارة المخاطر بدلاً من تجنبها

 

إعتاد لبنان منذ العام 1975 على اعتماد سياسة إدارة المخاطر بدلاً من تجنّبها. لذا، فإن الهدف الاساسي للحكومة يبقى في القضاء على ازدواجية النظام المالي الذي كلّف لبنان الغالي والنفيس لاعتباره المسؤول عن بلوغ الدين المستويات التي نعرفها. يهدف صندوق النقد الدولي الى ضمان استقرار النظام النقدي والمالي الدولي. وهكذا، يقوم بمساعدة الدول على حل الأزمات ويعمل مع الدول الأعضاء فيه لتعزيز النمو وتخفيف حدة الفقر. يزخر الـ IMF بثلاث أدوات رئيسية: المراقبة والمساعدة التقنية والتدريب والإقراض. تستند هذه الوظائف إلى أبحاث وإحصاءات صندوق النقد الدولي بالاضافة الى تقاريره.

 

في تقريره الصادر العام 2018 (وهو التقرير الاخير باعتبار أن بعد تلك الفترة، بات الصندوق وبطلب من مصرف لبنان يكتفي بإصدار ملخص عن التقرير النهائي)، لخّص الصندوق الوضع المالي اللبناني حيث أورد أن “أرصدة المالية العامة الكلية حققت بعض التحسن في 2017 بحيث بلغ العجز 7.3% من إجمالي الناتج المحلي، مما يرجع في جانب منه إلى الإيرادات الاستثنائية المترتبة على تحصيل ضرائب عن الأرباح المصرفية الزائدة، المتأتية من العمليات المالية أي الهندسات التي قام بها مصرف لبنان منذ العام 2016. وقد أقر مجلس النواب موازنتي العامين 2017 و 2018، وهما أول ميزانيتين يتم إقرارهما منذ اثني عشر عاماً. هذا وتوقع الخبراء أن يرتفع عجز المالية العامة في 2018 مقارنة بالعام 2017 وأن يساهم ذلك في النهاية في زيادة مستوى الدين العام المرتفع بالفعل، والذي تجاوز 150% من إجمالي الناتج المحلي”.

 

وبحسب التقرير عينه، بدأت السوق اللبنانية تشهد تباطؤ تدفقات الودائع الداخلة، التي تمول العجز المزدوج في لبنان منذ العام 2017، مما يرجع غالباً لبعض التدفقات الخارجة المحدودة خلال الأزمة السياسية في تشرين الثاني 2017. وقد رفع مصرف لبنان أسعار الفائدة من خلال عملياته النقدية والمالية، وبخاصة على منتجاته بالعملة المحلية، بغية دعم التدفقات الداخلة وكبح الدولرة الا أن هذه المحاولات لم تأت بالنتائج المرجوّة ولم تمنع لبنان من الوصول مالياً واقتصادياً الى ما وصل اليه.

 

باختصار، كان صندوق النقد يدرك تماماً، وقبل غيره، النتيجة التي سيختبرها لبنان جراء سياساته الفاشلة وعجزيه المتفاقمين. وذلك يعني أن صندوق النقد الذي درس على مدى أعوام الوضع اللبناني مالياً ونقدياً واقتصادياً هو الجهة الافضل لإخراجنا من القعر الذي بتنا نتخبط فيه. من هذا المنطلق ليس الكلام الرافض لخيار صندوق النقد سوى كلام ديماغوجي لمن لا يمكنه تقديم أي خطة بديلة، خصوصاً وأن لبنان أثبت مراراً “فشله” الاصلاحي الجسيم