ستحصل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على ثقة المجلس النيابي اليوم، وستجد هذه الحكومة نفسها أمام كمّ هائل من العقد والأزمات التي سيترتّب عليها إيجاد حلول سريعة وجديّة لهذه الأزمات الكبرى، وعلى رأسها أزمة الكهرباء والمحروقات، ومن المفترض أن تتحسّن التغذية بالتيّار الكهربائي مع تفريغ الغاز أويل العراقي في معملي دير عمار والزهراني، وينتظر اللبنانيّون والعام الدراسي والأساتذة والتلامذة أن تحلّ عقدة شركات المحروقات فيدفع لها البنك المركزي مستحقاتها لتفرغ البواخر حمولات البنزين وتحرير طوابير الانتظار من عقدة الدّعم فيكون رفعه عن المحروقات أوّل قرار تأخذه حكومة ميقاتي، لتعود المحطّات كلّها إلى فتح أبوابها فتنتهي مأساة الإذلال التي عانى منها المواطن طويلاً جدّاً.
ماذا بعد الثّقة؟ عاد صندوق النّقد الدّولي ليكون الحاضر الأبرز في تصريحات لا ترى إمكانيّة إنقاذ لبنان إلاّ في التفاوض مع هذا الصندوق.. في زمن العهد القوي خسر لبنان كلّ أشقائه العرب وكلّ أصدقائه الدوليّين، وأصبح تابعاً ذليلاً لمحور الوليّ الفقيه، ساقطاً في القبضة الإيرانية بفضل حزب الله الّذي جرّه إلى الخراب والهاوية، ولا يزال! حتى حزب الله يريد أن يحلّ صندوق النّقد الدّولي مشاكل لبنان الاقتصادية ويقدّم له قروضاً غير مشروطة، وهو في هذا يريد إقناع المجتمع الدوليّ بانتشال لبنان من حافّة الانهيار المالي وانتشال حزب الله وبيئته معه من الانهيار!
من المفيد هنا مراجعة بعض ما كتب عن صندوق النّقد الدّولي وأبرزها كتاب جون بيركنز “اعترافات قاتل اقتصادي” الذي ترجم إلى ثلاثين لغة بما فيها اللغة العربيّة وصدر فيها بعنوان: “الاغتيال الاقتصادي للأمم” وكتب فيه بيركنز عن صندوق النّقد الدّولي أنّه “عادة ما يتمّ اتهامه بأنّه أحد أدوات الشركات العالميّة لبناء إمبراطوريّة تسيطر على اقتصاد العالم، وتهزم الدول، “وتنهب وتدمر اقتصاد الدّول النامية”، ويوضح بيركنز أنه “على الدول التي توافق على شروط صندوق النقد أن تقبل مجموعة مفاهيم جديدة: تحرير التجارة، حقوق المستهلك، الخصخصة الكاملة للصحّة والتّعليم والمياه والكهرباء”… ويقول بيركنز: “هناك طريقتان لاحتلال أو تفتيت أيّ بلد تريد أميركا السيطرة عليه وعلى ثرواته: الأولى بالقوّة أي باحتلاله، والثانية: بقتله اقتصادياً، أي بالخصخصة وإغراقه بالدّيون وبخضوعه للبنك الدولي، ويسيل اللّعاب الأميركي للاستيلاء على النّفط أينما وجد، والجلوس على آباره لنهبها، إمّا برشوة أصحابه أو بتخويفهم بإبعادهم عن كراسيهم، إذا ما حاولوا تأميمه، أو إبعاد أميركا عن منابعه”..
المسؤولة السّابقة في برنامج الأمم المتحدة للتنمية “إيزابيل غرامبرغ” وصفت السياسات التي يفرضها الصندوق على الدّول الأعضاء لا سيّما النّامية منها، والتّي تؤدي في أكثر الأحيان إلى ارتفاع في معدّل البطالة، وانخفاض في القدرة الشرائيّة، وتبعيّة خاصة غذائيّة، ويضاف إليها تفكك للأنظمة الإنتاجيّة في العديد من الدول، وصفت هذه الأمور بالجريمة، معتبرة أنّ صندوق النّقد الدوليّ ليس مشاركاً بها فقط، بل إنه المايسترو الذي يدير نظاماً شاملاً يسحب الأموال من الفقراء ليموّل إنفاق أقليّة غنيّة..
في نيسان من العام الماضي أقرّت الحكومة خطّة قيل إنّها لإنقاذ اقتصاد لبنان ووصَفَ “يوم” إقرار هذه الخطّة وعلى لسان رئيس الجمهوريّة ميشال عون بـ”التاريخي”، مع أنّه من ضمن الانتقادات الكثيرة التي توجّه لصندوق النّقد الدّولي سطوة الولايات المتحدة الأميركيّة على البنك وتحكّمها في منح القرض من عدمه لأيّ دولة، فأميركا الدّولة الوحيدة التي تمتلك حقّ الڤيتو من بين الدّول الأعضاء، فهل ستمنح أميركا التي تخنق لبنان بالعقوبات قروضاً تفكّ عن رقبته مشنقة العقوبات؟!