ستة بنود تتكرّر في تقارير صندوق النقد الدولي عن لبنان: إعادة هيكلة القطاع العام ونظام التقاعد، زيادة الـ TVA وإلغاء الإعفاءات منها، فرض ضريبة على صفيحة البنزين، زيادة الضرائب على الأملاك المبنية، إلغاء الدعم على الكهرباء، وخصخصة قطاعي الكهرباء والاتصالات. هذه هي وصفة إفقار اللبنانيين ــــ فوق الفقر الذي سيصيبهم بنتيجة الأزمة ــــ في حال استعانة لبنان بالصندوق
رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري اتصل برئيسة صندوق النقد الدولي وطلب منها «المساعدة التقنية». لم تتضح معالم طلب المساعدة، وإنما يشي الأمر بأن إخضاع لبنان لوصفات صندوق النقد سيكون على رأس أولويات برنامج الحريري لترؤس الحكومة المقبلة.
يشكّل هذا الاتصال دعوة غير رسمية للصندوق، يتوقع أن تليها دعوة رسمية موجّهة من رئاسة الحكومة، ربما تظهر بعد تسمية الحريري لرئاسة الحكومة المقبلة. وهي دعوة كافية حتى يباشر الصندوق تحضيراته ودراساته لتحديد الخيارات المالية والنقدية بالاستناد إلى أجندة معدّة سلفاً وهي معلنة، إذ جرى تضمينها في برنامج لبنان المقدّم للجهات الدولية المانحة في ما يسمى مؤتمر «سيدر»، وفي التقارير الرسمية التي يصدرها الصندوق عن لبنان، وأبرزها تقرير البعثة الرابعة الذي نشر في 17 تشرين الأول الماضي بعد الاتفاق مع السلطات اللبنانية وموافقة المجلس التنفيذي للصندوق. حدّد التقرير موقفه بوضوح من السياسات النقدية، وخصوصاً لجهة تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية التي يعتقد الصندوق أن قيمتها متضخمة بأكثر من 55% وصولاً إلى 60%. الصندوق يعتقد بأن سعر الصرف الفعلي يزيد على 3000 ليرة لكل دولار.
الاستعانة بصندوق النقد لا تعدّ خياراً سيادياً. فالخضوع هو أحد أهم شروط مسلسل التسوّل الذي تسوّق له قوى السلطة برئاسة الحريري. وهذا الأمر كان واضحاً في البيان الصادر عن مجموعة الدعم الدولي للبنان التي عقدت الأسبوع الماضي اجتماعاً في باريس. المصارف وأزلامها وشركاؤها السياسيون يروّجون للأمر نفسه إلى جانب مجموعات نفوذ من مدّعي الخبرة في الأسواق المالية. كلّهم يقولون إن صندوق النقد «قدَر» لا بدّ منه، وإن المانحين الدوليين لن يقرضوا لبنان قرشاً من دون إطلاق يد الصندوق في إدارة الأزمة والقيام بالإصلاحات، ومن ضمنها إعادة هيكلة الدين العام، وخصوصاً بعدما تبيّن أن السلطة السياسية «فاسدة» وهي تتبنى تنفيذ إصلاحات لا تقوم بها منذ أكثر من عشرين سنة. هناك فئة أخرى تقوم بالترويج نفسه، مستفيدة ومستغلّة للفساد القائم، وهي تعتقد بأن الحفاظ على ثرواتها التي جنتها بآليات الفساد النظامية لا يكون إلا من خلال استقدام الصندوق الذي اعتاد عدم المسّ بهذه الفئات.
مهما تكن الحال، فإن إعادة الهيكلة، مهما كان شكلها وأهدافها، سيكون لها تبعات اقتصادية واجتماعية ومالية توجب الاحتياط لكل السيناريوات، وبالتالي يجب التحوّط من استغلال هذا الأمر. ففي التقرير الأخير الصادر عن «البعثة الرابعة» في صندوق النقد الدولي، يرد أن على لبنان تبنّي سلسلة إجراءات «إصلاحية» لمواجهة الأزمة تؤدي إلى تحقيق فائض أولي في الموازنة يعادل 4% أو 5% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما قيمته بين 2.4 مليار دولار و2.9 مليار دولار «ستكون ضرورية لخفض معدلات الدين إلى الناتج». ويلفت الصندوق إلى أن «بلوغ هذا المستوى من الفائض هو أمر طموح وسيضغط على النمو الاقتصادي على المدى القصير، وهو أمر ضروري للبنان الذي يعاني من مستويات دين مرتفعة ومن هشاشة».
إذاً، كيف يتم تأمين هذا الفائض في ظل عجز الخزينة؟
صندوق النقد يعتقد بأن سعر الصرف الفعلي يزيد على 3000 ليرة لكل دولار
وصفة الصندوق تنصّ على الآتي:
ــــ زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 11% إلى 15% أو 20%، ما يؤمن إيرادات إضافية للخزينة تتراوح بين 940 مليون دولار و2.1 مليار دولار.
ــــ إلغاء معظم الإعفاءات من الضريبة على القيمة المضافة والممنوحة لعدد كبير من السلع الأساسية والغذائية. هذا الأمر يوفّر إيرادات إضافية تصل قيمتها إلى 700 مليون دولار.
ــــ فرض ضريبة على البنزين بقيمة 5000 ليرة على كل صفيحة، لتأمين إيرادات بقيمة 470 مليون دولار.
ــــ إلغاء دعم الكهرباء، أي زيادة تعرفة الكهرباء لتصبح متلائمة مع قيمة النفقات التي تتكبدها مؤسسة كهرباء لبنان لإنتاج الطاقة وتوزيعها وجبايتها، ما سيوفّر على الخزينة مبلغ 1.58 مليار دولار.
ــــ يجب إعادة النظر في هيكلية الرواتب في القطاع العام وفي نظام التقاعد اللذين يمتصان جزءاً أساسياً من الإيرادات.
ــــ يجب تأمين 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي (ما يوازي 350 مليون دولار) من خلال زيادة كل الإيرادات العائدة على ضريبة الأملاك المبنية بنسبة 50%.
هذه الخطوات تشكّل البنود الأساسية من خطّة الصندوق أو وصفته الجاهزة لمعالجة الأزمة في لبنان. هي خطّة على المدى المتوسط يجب أن تكون «مبنية على معايير واضحة ودائمة وتؤمن فائضاً أولياً. والبدء بإقرار هذه المعايير سيوفّر صدقية ويعيد الثقة، إذ لا يكفي تنفيذ خطّة الكهرباء، بل يجب أن يكون على السلطة أن تقوم بإجراءات أخرى لضمان فعالية الإجراءات وبلوغ الهدف المتعلق بالفائض الأولي (عبر زيادة الإيرادات من خلال الضرائب)».
الزيادة المطلوبة من الصندوق يجب أن تكون مبنية على النظام الضريبي القائم من أجل ضمان «زيادة الإيرادات بفعالية وبسرعة».
مقابل كل هذه الزيادات الضريبية، يعتقد الصندوق بأنه يجب توسيع برنامج استهداف الفقراء في لبنان. وكأن برامج تمويل مكافحة الفقر عبر تسوّل الدولة تحوّلت إلى سياسات عامة وليست عبارة عن إجراءات موقتة. أصلاً، معدلات الفقر سترتفع بنتيجة اقتراحات الصندوق، ما يوجب المزيد من التسوّل بثمن أكبر.
تمويل الصندوق لا يكفي
تبلغ قيمة الكوتا المحدّدة للبنان بحسب حصّته في صندوق النقد الدولي 633 مليون دولار، لكن وكالة التصنيف «فيتش» قالت في تصنيفها الأخير للبنان، إن توقيع برنامج مع الصندوق لمدّة ثلاث سنوات يتيح للبنان الحصول على ما قيمته 3.9 مليارات دولار، إلا أنها تعتقد أن هذا المبلغ «قد لا يكون كافياً»، لذا يجب على لبنان أن يحصل على إجراءات تمويل استثنائية من الصندوق.