مع إقفال باب التسجيل الرسمي للوائح الإنتخابية اليوم، سجّل منسوب الصخب الإنتخابي العالي النبرة، إرتفاعاً ملحوظاً تزامن مع خطاب سياسي تصعيدي، على ركام الإنهيارات المتتالية في أكثر من مجال مالي وصحي وتربوي، وسط اندفاع إلى استثمار هذا الإنهيار في الحملات الإنتخابية، ومن دون أي تمييز أو حساب للإنعكاسات الخطرة لأي توظيف، خصوصاً في السياق المالي والقضائي لقضية تحتل الأولوية لدى الشارع، وهي قضية الودائع.
وإذ تعتبر أوساط نيابية نأت بنفسها عن المشاركة في السباق إلى الإنتخابات النيابية، أن الإستحقاق الإنتخابي في مكان، والمواطنين في مكانٍ آخر، فهي تشدّد على أن الأسابيع القليلة الفاصلة عن موعد الإنتخابات النيابية، ستحمل أكثر من أزمة على المستوى المعيشي، كما المالي والصحي، وبالتالي فإن التركيز اليوم هو على هذه الأولوية وليس على العناوين السياسية، ومن هنا، كان توجّه أكثر من نائب مخضرم إلى العزوف عن الترشيح، بمعزل عن مقاطعة رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري.
وتضع هذه الأوساط نفسها، كلّ المواجهات الراهنة، في سياق الشحن الإنتخابي وحشد التأييد للمرشحين من كل الأحزاب والتيارات الكبرى، مؤكدةً أن هذه المواجهات مرحلية، على غرار التحالفات الظرفية لمصلحة إنتخابية. كذلك، فإن التوصل إلى أي صيغة لبدء عملية التعافي من أي أزمة داخلية، دونه عقبات وحواجز عديدة، وخصوصاً أن أي التزام بإجراءات إصلاحية على المستوى الرسمي سواء في مجلس الوزراء أو في مجلس النواب. وبالتالي، فإن ما يتمّ التداول به عن تقدّم، ولو بسيط ومحدود في مسار المباحثات التي انطلقت منذ أيام بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، لا يرتقي إلى مستوى الواقعية لجهة كونه مؤشراً على احتمال توقيع اتفاق مع الصندوق، وفق ما تكشف الأوساط النيابية نفسها، والتي تحدثت عن عدم وجود أي التزامات بتنفيذ إصلاحات أو اتخاذ خطوات وإجراءات تدلّ على جدّية لجهة الذهاب نحو خطة تعاف اقتصادي، وبشكلٍ خاص على مستوى الحكومة، التي تستمر في اعتماد النهج السابق لناحية عدم البحث في كيفية تنفيذ كلّ الشروط التي طلبها وفد الصندوق في المباحثات الجارية منذ أشهر، ما يؤشّر إلى أن حظوظ التفاهم ضئيلة ومحدودة، على الأقلّ قبل الإنتخابات النيابية المقبلة.
وتبدي هذه الأوساط نفسها، قلقاً واضحاً من عدم استقرار المشهد الداخلي قبل الوصول إلى ساعة الإنتخابات النيابية، على الرغم من كل محاولات «ترقيع» الوضع على كل المستويات الإقتصادية والمالية والمعيشية، وتأجيل انفجار الخلافات السياسية من جهة، كما انفجار المجتمع من جهةٍ أخرى، وذلك على وقع الغلاء الفاحش الذي بدأ يتكرّس على كل الأصعدة والمستويات. ومن هنا يبدو أن التزامن
بين التصعيد السياسي غير المسبوق، وارتفاع مستوى النقمة الشعبية بسبب الأزمات المعيشية، سوف يشكل عقبةً أمام القوى السياسية التي تعمل على تأجيل أي انفجار إلى ما بعد الإنتخابات النيابية.