Тбилиси |
اكتشفتُ صباح اليوم وبعد متابعة توالي وتسلسل الأحداث المتداعية في فرنسا ــــ أوروبا (ليس فرنسا ــــ لبنان أكيد)… إنها أوروبا يا ناس، إنها ضاحية باريس وليست ضاحيتنا. وقد حصل أمس فعلاً أن التبس الأمر على زميل لي في العمل كان يمرّ بالقرب من التلفزيون المفتوح على «فرانس ـــ24»، وسمع جملة تنتهي بـ «تدابير مكثفة الى الضاحية»، فسألني: الضاحية الجنوبية؟ فقلت له طبعاً: لا، ليست الضاحية الجنوبية، وعدت الى متابعة القناة، وبدأت أنتبه الى «الشبه ــــ ورطة» التي أدخلتُ نفسي فيها، أو أنني تسرّعتُ في التعاطي مع ما حصل مباشرة بعد حصوله.
غلطتي، ربما، أنني اتكلتُ بشكل مبالغ فيه على الحدس السياسي، فسمّيت حادثة شارلي أيبدو: الاعتداء ــــ المحطة، وإذ باليوم التالي يبدأ حوالي الثامنة صباحاً بإطلاق نار على الشرطة على أطراف ضاحية باريس ــــ هذا غير المجزرة داخل صحيفة قبلها بيوم. هل صدّقتم؟ هل فهمتم؟ معقول؟ طبعاً معقول، فهذا قد حصل بكل تأكيد وحيرة، حصل بكل أسف ومنطق متوقع أن يتمّ… عدا الاستنكار الطبيعي، فحيثما يكون القتل والضحايا، الاستنكار دوماً ضرورة متلازمة تابعة للأخلاق والانسانية والدين!!! هذا الدين الذي بسببه بالضبط يتذابحون ويتقتّلون في كل مكان ويومياً، وآخره في فرنسا ــــ أوروبا اليوم.
مما لا شك فيه أن الكتابة في هذا الموضوع ستكون منقوصة، متردّدة أو مضعضعة، لأنها مهما استشرفت فالحدث ــــ الواقع أسرع منها طبعاً. والمتابعة كانت لتكون أفضل ربما في إذاعة أو تلفزيون لأنها تستطيع أن تتزامن مع الأحداث، فالصحف تصدر مرّة في اليوم. إن الجو أقرب الى ما يسمّى: مكتب التحرير وتوالي الفلاشات. لكن، مما لا شك فيه أن مجموعة من النقاط ممكن أن تسجّل حتى اليوم، أي البارحة مثلاً، ومنها:
1ــــ لن يشذّ بلد أوروبي واحد عن التدابير الأمنية والاجتماعية (وهنا الدراما بعينها) الاستثنائية، وعن اتجاه الى فرز البشر، خاصةً من كانوا من المواطنين حتى وقوع المجزرة.
2ــــ إن إعلان Benetton التلفزيوني الشهير أصبح كذبة من الماضي، هذا الاعلان الذي اشتهر بتصوير وجه انسان على حجم الشاشة، تتوالى عليه كل أنواع وألوان وأصناف الوجوه على الكرة الأرضية بغية القول: الانسان واحد أينما كان وكائناً من كان، ومجمع على ملابس Benetton ــــ هذا انتهى يوم 7/1/2015. وعاد المجد والعزّ لعالم السيمياء، ولتفرّس الناس في وجوه بعضهم البعض لمعرفة الأصل والمنشأ من أساس الأساس، فالمواطنة هنا لم تعد تعني أي شيء. للتذكير، كان هذا أهم سمات العصور الحجرية، أو ما بعدها بزمن، لا وقت الآن حتى للتدقيق أكثر.
3ــــ إن الادارة الأميركية البعيدة كل البعد جغرافياً وحضارياً عمّا يحدث سعيدة على الأرجح، وهي أكثر من يعرف لماذا، لكنها سعيدة ومرعوبة!!! إن أميركا دوماً مرعوبة، ومن كل شيء، حتى ما قبل 11 أيلول. أنظروا كيف ترعبها تجمّعاتها، لذا فهي سريعة في اطلاق النار، لكنها في نفس الوقت تتقن الغشّ طبعاً، وخاصةً في الاعلام، كما تتقن التمويه والانكار والتعالي.
4ــــ إن من حرّك تاريخياً، بدءاً بالشرق الأوسط ومن بعده الأقصى، القوى الدينية غير المسيحية ودعمها مع أنها لا تمتّ اليه بأي صلة وبعيدة كل البعد عن مجتمعاته المتعدّدة، والتي تصل الى طائفة المورمون المسيحية مثلاً، الطائفة التي قد تتفهّم داعش وفروعه أو فروعها، ذلك لو أفسحت لها الادارة المركزية الأميركية أكثر مجال المعرفة والاطلاع، لكثرة أوجه التشابه في القناعات الدينية والممارسات الخاصة ــــ إن هذا الذي حرّك بكل برودة وعنجهية وثقة وحتّى استلشاق مصدره حصراً قوّة وسطوة السلاح الثقيل جداً وحصراً (ليس عسكره أبداً)، هو اليوم أول المرعوبين، هو اليوم من يمكن له أن يربح أوسكار الهلع! يا لها من ايام تنتظرهم وتنتظرنا.
(يتبع غداً)