في هذه الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية الخانقة، سمح البعض لنفسه أن يُعمم «معلومات» عن السفارة الأوسترالية بأنها فتحت باب الهجرة أمام اللبنانيين. إذا كان صاحب هذه الكذبة التافهة يعتبر أنها مزحة، فهذه ثقيلةٌ جداً لأنها تتلاعب بالمشاعر، خصوصاً جيل الشباب، الذي بات طموحه مقزّماً، وشبه محصور في تأشيرة دخول إلى أوستراليا أو كندا، أو أي بلد آخر يفتح أمامه أبواب الرزق الحلال، وينقله من الضائقة، شديدة الوطأة، في وقت سُدّت سبل العيش الكريم في لبنان. إن هذه الـ «fake news» أكثر بشاعةً لما يترتّب عليها من آمالٍ وهمية سرعان ما تبخّرت ببيان البلد المعني، وبالتالي ولّدت صدمة نفسية لا ينقص اللبنانيين المزيد منها.
إن لبنان بلد هجرة مزمنة، منذ فجر التاريخ. وكانت تبلغ ذروتها في أزمتَي المعيشة والحرية على حدٍ سواء. ذلك منذ أن مَخَرَ الفينيقيون عباب البحار على خشبة ووصلوا إلى مختلف قارات العالم، وتبيّن من الآثار والحفريات الحديثة أنهم سبقوا الأوروبيين إلى اكتشاف «القارة الجديدة» قبل الذين ادّعوا اكتشافها في العصر الوسيط بأكثر من ألفَي سنة. وهم الذين أطلقوا على «القارة العجوز» إسم أميرتهم «أوروبا». وهم الذين رافقوا أميرة صور «أليسار» إلى بلاد المغرب حيث أنشأوا قرطاجة التي أعطت قائدَين عسكريين كبيرَين «هملقار» وابنه «هنيبعل» الذي حارب روما (حاكمة العالم في حينه) ولاتزال خططه العسكرية الفذّة تُدرّس في أكبر المعاهد والكليات العسكرية حتى اليوم.
وفي العصور الحديثة، جاب اللبنانيون الآفاق، وأسهموا في نمو ورقي بلدانٍ كثيرة، وبرزوا في الزراعة والصناعة والتجارة والديبلوماسية والسياسة والاتصالات والإدارة. ووصل رهطٌ غير قليل منهم إلى رئاسة الجمهوريات، وآخرهم قبل أيام انتخاب السيد لويس أبي ناضر، إبن بسكنتا، رئيساً لجمهورية الدومينيكان(…). وكان لهم حضورٌ فاعل ومميّز في البرازيل والمكسيك والأرجنتين والولايات المتحدة في مجالات المال والأعمال (كارلوس سليم الذي احتل المركز الأول كأثرى رجلٍ في العالم، وكارلوس غصن الذي حقق إنجازاتٍ كبيرة في عالم صناعة السيارات).
أما في مجال الفكر والصحافة والإعلام والأدب، فحدّث ولا حرج عن جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين الريحاني ورشيد سليم الخوري وإيليا أبو ماضي وجورج صيدح، وآل الجميل وتقلا وزيدان الذين أنشأوا مناراتٍ صحفية خصوصاً في مصر (الأهرام والمقطّم والهلال وروز اليوسف…).
علماً أننا، نحن، معشر الصحافيين اللبنانيين، وراء النهضة الصحافية والإعلامية في معظم بلدان الخليج العربية حتى اليوم، ويتعذّر تعداد الأسماء لكثرتها.
ونعود إلى تلك النكتة السمجة وثقيلي الدم، داعين إلى تعقّب مطلقي المعلومات الكاذبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت، من أسفٍ، مستباحة للكثير من الأفّاكين فاقدي الأخلاق والضمير.