يتدهور هذا الوطن بسرعة البرق، ومن درجة الرّقي والتميّز، إلى وضعية البؤس الشديد، حيث بات مركزه في قعر لائحة البائسين بين شعوب الأرض كافة، وأقسى ما تعاني منه جموع المواطنين، موجات الهجرة التي باتت تطاول مواطنيه، وفي طليعتهم، شبابهم وشاباتهم، وبذلك تتكثف المأساة ودرجة البؤس، الثابتة بالشهادات الدولية والأممية، وإليكم نموذج من صميمهم، حلّت الكارثة عليه وعلى عائلته المؤلفة من شابين وشابة وأولاد لهم، عددهم سبعة، وها هم جميعا يشدّون الرّحال، ويصفّون ما تبقى لهم من أعمال أوضاع محلية انتهت أحوالها ذات القدْر والقيمة، وجميعهم يبذلون جهدا وتوسلا، لتحفيز، والدهم، كاتب هذا المقال، ليرافقهم في كارثة الهجرة الجماعية التي تكاد أن تشد إليها الغالبية الساحقة من اللبنانيين «البؤساء».
وكثيرون يعلمون عن ذلك الأب الذي هاجمته السنوات بعمر متقدّم، وكان على مدى عمره الرحب قد لجمته منذ فتوته، مأخوذاً بغريزة التمسك بالعيش في هذا الوطن بكل فصوله وأحواله، فما إن تدفع به ظروف العمل إلى سفر ما إلى بلدان هذا العالم الفسيح، حتى يعدّ الأيام لعودة سريعة إليه، فلا تستقرّ به الأحوال إلاّ في أجواء هذا الوطن الذي تطورت أوضاعه بين الحالات كلها، وأغلبها، بمفهومها العام، إلى الأنحس والأسوأ خاصة في السنوات القليلة الماضية، وصولاً بها إلى حال البؤس المتفاقم وإلى منح هذه البلاد لقباً من أحد مراجع الأمم المتحدة، كرّسته وكرست معه معظم مواطنيه «بلدا بائسا» لم يسبقه إلى هذا اللقب التعيس، إلاّ دولة تعيسة واحدة بات ينافسها على موقعها وشقائها.
وبعد: والحال تدور على هذا المنوال، يسمح كاتب هذا المقال لنفسه وهو يرفع ظلامته وشكواه التي ستلقي به وحيدا فريدا بعيدا عن كل ما تبقى من أفراد عائلته. هي شكوى قهرية والشكوى لغير الله مذلة، إلاّ أنها في واقع الحال البائس جريمة نكراء افتعلها عن سابق تصوّر وتصميم، من أمسكوا برقاب البلاد والعباد، وباتوا غارقين في نهش كل ما لديها من أساسات الحياة المعقولة، حتى وصلت بنا الحال إلى أقسى وضعيات الخراب والدمار، والبؤس الثابت بكل مظالمه وظلامه؟
إلى أين تجرّ هذه المنظومة الحاكمة والمتحكمة، هذا البلد المنكوب بكل صنوف المصائب، وفي طليعتها، وضعية. باتت على قدر هائل من الشيوع والإستفحال: الهجرة.
حتى اذا ما نادى بعضهم بانقاذٍ وخلاصٍ ما عن طريق الإنتخابات المقبلة «من حيث المبدأ». وهو التصور والذي يجزم البعض بافتقاره إلى الصحة. وحتى اذا ما انصبت الظروف المحلية والدولية على جملة من الضغوط التي أسفرت عن تحديد موعد للإنتخابات قام حوله خلاف وتجاذب وتلاعب استهدف تأجيلها إلى موعد لاحق يراوح بين توقيت صيفي أو شتوي، والمقصود من ذلك شراء الوقت واختلاق الإعاقات، وتطوّر الأمر إلى محاولات حثيثة لتأجيلها لأسباب مختلفة، وكانت نية التأجيل طويل الأمد واضحة وفاضحة وتشير إلى طموحات تأجيلية ورئاسية معلومة الموقع والمرجع. وها نحن مع مرور الوقت باتجاه الموعد المبدئي للإنتخابات، نكتشف كل يوم ثغرة وكل ساعة سببا مصطنعا، ومن خلفها يكمن الهدف إياه: تأجيل الموعد المقرر مبدئيا إلى أقصى مدى ممكن، سعيا إلى تأجيل الانتخابات بأمها وأبيها واحياء إمكانية ايصال المرشح المعلوم والمشغول له بشتى وسائل الإبتداع والاختراع والضغط، وبات من الشائع والمرجح لدى اوساط كثيرة، رغم نشاطها ورغبتها في إجراء الانتخابات في موعدها المحدّد، أن ذلك الموعد سيتم ارجاؤه نظرا لتعذّر ما سيطرأ في الأجواء العامة ملغيا المسعى اللانتخابي، ومن بين المطروح، وضعٌ أمني طارىء يلغي إمكانية الإجراء الإنتخابي، المرفوض من البعض، والمحرِج إجراؤه للبعض الآخر، نظرا لوجود أسباب سلبية تتعارض مع إمكانية النجاح.
…وفي طليعة من يسخرون من الرغبة الإنتخابية، اولئك الذين أقفلوا إمكانية البقاء في هذا البلد بالهجرة إلى بلاد الله الواسعة.
ويبقى أولئك المتشبثون بأرض هذا الوطن وتحمّل ضغوطات ومقالب العيش في ربوعه البائسة، هؤلاء لديهم كميات متميزة من الإقدام والشجاعة وتحمّل الكوارث، لذلك… هم باقون ومتمسكون بالوطن ارضا وشعبا واستمرارية، مع آمال يختلقونها في ظروف قد تجيء على هذا الوطن حاملة بسحر ساحر دواعي ودوافع الإنقاذ والخلاص.