بعد تعدّد جلسات انتخاب الرئيس من دون اي جدوى، بات المشهد الرئاسي روتينياً لا بل غير منتظر ومرتقب من اللبنانيين، لانهم إعتادوا على مشهد غياب سيّد قصر بعبدا، خصوصاً ان بعض القوى السياسية تتعامل مع هذا الملف الهام، وكأن لا شيء يدعو الى الاستعجال في تحقيقه، على الرغم من مرور سنة وثلاثة اشهر على الفراغ، الذي تسلّل ويكاد ان يجرف معه الرئاسة الثالثة ، مما يجعل اللعب على حافة الهاوية سائداً اليوم وبشدة.
الى ذلك يصف مستشار مسؤول سياسي بارز ما يجري على الخط الرئاسي، بأن المعركة اولاً هي بين الموارنة انفسهم ويقول: «ما يتكرّر كل فترة في مجلس النواب على صعيد جلسات انتخاب الرئيس، يشبه المسرحية التي اوصلت اللبنانيين الى اليأس، لدرجة انهم باتوا لا يهتمون بها ولا حتى يتابعونها عبر وسائل الاعلام، لان نتيجتها تتكرر دائماً، وبالتالي ما يجري لا يبشّر بالخير ولا يعطي املاً بإمكانية نجاح الجلسة المقبلة، لان النصاب لن يكتمل بالتأكيد طالما ما زال الوضع على حاله».
ويشير الى ان اجتماعاً عقده منذ ايام معدودة مع احد المرشحين الدائمين الى رئاسة الجمهورية كما وصفه، ناقلاً بأن الاخير يحظى بتوافق دولي اقليمي حول إسمه لمركز رئاسة الجمهورية، مؤكداً بأنه لن يتولى منصب الرئاسة قبل الخريف ، ولفت الى ان رئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط يدعمان هذا المرشح بقوة، كما يحظى بتأييد مطلق من الرئيس نجيب ميقاتي، إضافة إلى العديد من المراجع السياسية والدينية، خصوصاً ان لديه برنامجاً رئاسياً واضحاً، وهو لم ينزلق مرة في الانقسامات السياسية في لبنان، مع الاشارة الى ان رئاسة الجمهورية عُرضت عليه في مرحلة سابقة، لكنه رفضها حينها بسبب لائحة الشروط التي ُطلب منه تنفيذها.
هذا ويؤكد المستشار المذكور بأن حظوظ المرشحين البارزين، اي العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع وصلت الى طريق مسدود، لان لا قدرة لأيّ من فريقيّ 8 و14 آذار أن يوصل مرشحه، انطلاقاً من هنا سيستمر الفراغ شهرين وفق معلومات وردت الينا من دولة عربية بارزة ومعنية بالشأن اللبناني، اذ بدأت ملامح الاتفاق الاقليمي تتجه نحو ذلك المرشح الذي وعلى ما يبدو سيخرق صفوف 8 و14 آذار، خصوصاً ان علاقات تربطه بالفريقين، وبالتالي فهو ليس عدائياً البتة لسوريا بل على العكس، والامر عينه ينطبق على علاقته بالسعودية، وبالتأكيد لن يمانع حزب الله بوصوله الى قصر بعبدا ، ولا فريق 14 آذار حين «ينحشر» كثيراً لانه سيفضّله على الفراغ، ويعتبر بأن الانتخابات الرئاسية في لبنان تنتظر ضمن طياتها مسار العلاقة السياسية بين السعودية وإيران، وبالتالي سيُعاد سيناريو الاتفاق على الحل الحكومي، وسيناريو الخطط الامنية التي جرت بسحر ساحر، ووصلت الى نتائج ايجابية ارست الاستقرار في المناطق اللبنانية الساخنة جداً كطرابلس ، مما يعني ان الانفراج الرئاسي سينطلق من إرادة دولية بضرورة تحييّد لبنان حالياً عن الحرب السورية.
ويلفت المستشار الى العلاقات السياسية السائدة اليوم بين اميركا وايران، ما ساهم بفتح الخطوط السياسية اكثر بين السعودية وايران، وإيجابياته ستنتقل الى لبنان من خلال إبقاء الفراغ لفترة فقط، وبالتالي فالتأخير بعض الوقت افضل بكثير من الفراغ الدائم، لان اللعبة الأساسية في لبنان تبقى دولية – إقليمية بامتياز، وعلى الجميع ان يتقبّل ذلك.