IMLebanon

حوار وشيك بين «المستقبل» و«الحزب»

لم يكن الكشف عن رسالة الرئيس الأميركي باراك أوباما السرية الى مرشد الثورة الايرانية آية الله علي خامنئي، المؤشر الوحيد إلى حصول تقدّم كبير في الملفات الشائكة بين البلدين.

الرسالة، وعلى أهمّيتها جاءت في إطار سلسلة رسائل سبقتها وقيل إنّها بلغت نحو أربع رسائل، والأهمّ أنّ الكشف عنها حصل مباشرة بعد إقفال صناديق الاقتراع في الانتخابات النصفية التي تلقّى نتيجتها الحزب الديموقراطي الحاكم ضربة موجعة.

الواضح أنّ مصدر التسريب ليس بعيداً من البيت الابيض، فيما يشبه وضع الغالبية الجديدة في الكونغرس أمام الواقع الحاصل، إذ بخلاف الاستنتاجات المتسرعة التي واكبت العودة المظفرة للجمهوريين الى الكونغرس، لا يمكن اغفال «التصفية» التي تعرّض لها رموز حزب الشاي المتشدّد. صحيح أنّ جون ماكين سيترأس لجنة الشؤون الخارجية المعنية بالمفاوضات الدائرة مع طهران إلّا أنّ ماكين المتصلب سيتحرّر من إحراج مزايدات حزب الشاي ذات السقف المرتفع.

في الاساس، كانت الإدارة الديموقراطية التي تقود البلاد من البيت الابيض، تضع المعارضة الجمهورية في كلّ تفاصيل مفاوضاتها مع طهران، سعياً إلى تحصين الصفقة الجاري نسجها، والتي تصفها الاوساط الديبلوماسية الاميركية بأنها أهمّ حركة ديبلوماسية منذ الانفتاح الذي أرساه هنري كيسنجر مع الصين.

لذلك، أتى خبر تسريب الرسالة الرابعة فور ظهور نتائج الانتخابات النصفية، بمثابة اختبار مبكر للتعاون القائم بين الحزبين في الكواليس. وعلى عكس الاستنتاجات المتسرّعة، إلّا أنّ الخبراء يعتقدون بأنّ فوز الجمهوريين سيصبّ في مصلحة الاسراع في إنجاز التفاهم الخطي الاميركي- الايراني.

إذ بعدما كان البيت الابيض يستعجل التفاهم بسبب الوضع الصحّي الدقيق لخامنئي، ما سيُصعّب المهمة على خلفه في حال غيابه، أصبحت طهران التي تُعاني اقتصادياً، في وضع مشابه، أولاً بسبب فقدان القدرة على المراوغة والمناورة وبالتالي ابتزاز الادارة الاميركية اكثر، وثانياً لارتفاع احتمال وصول الجمهوريين الى البيت الابيض بعد سنتين، ما يعني تقويض كل ما تحقّق اذا لم يُترجم بتوقيع واضح وصريح. ولذلك راج كلام عن فرصة حقيقية لإعلان نيات في 24 الجاري.

من هنا، تتلاحق الإشارات المعبرة، فما كانت واشنطن لترسل 1500 مستشار عسكري جديد الى العراق في مهمة لتدريب الجيش ومساعدته، إلّا بعد تأمين أجواء مؤاتية مع ايران.

وفي اليمن، وُلدت الحكومة بعد جدل كثير، على رغم أنّ ذلك لا يعني أبداً سلوك اليمن درب الاستقرار، إلّا أنّ الولادة ما كانت لتحصل لولا وجود حدّ أدنى من التفاهم الاقليمي حولها. وصحيح أنّ الحوثيين وعلي عبدالله صالح انسحبا لاحقاً من الحكومة، إلّا أنّ هناك مَن يضع ذلك في اطار تحسين الشروط.

وفي سوريا، التحضيرات مستمرة لتهيئة ظروف تسمح بانعقاد «جنيف 3»، ويروى أنّ النقاشات المواكبة شهدت كلاماً للمعارضة السورية والدول الداعمة لها، لجهة ضرورة إزاحة الرئيس بشار الاسد.

وجاء الجواب الاميركي معبّراً حين قال أحد المعنيين: «سمّوا لنا شخصية بديلة قادرة على الامساك بالدولة ومنع انهيارها وسط الظروف الراهنة غير الاسد». ولم ينكر المسؤول الاميركي أنّ النظام استفاد وسيستفيد من المعركة ضدّ «داعش»، لكنه أقرّ بأنّ الخيارات الاخرى محدودة، مجدِداً الدعوة إلى الحلّ السياسي.

وتحمل خطوة سلطنة عُمان التي تحتضن اللقاء الاميركي- الاوروبي- الايراني، بإعادة فتح سفارتها في دمشق دلالات كثيرة مهمة.

كلّ تلك الاشارات تُعطي انطباعاً واضحاً بأنّ شيئاً ما حصل في كواليس المفاوضات بين واشنطن وطهران.

وبعدما ألمحت اوساط ديبلوماسية اميركية منذ اكثر من اسبوعين إلى حركة جدية في الكواليس قد تفضي الى نتائج إيجابية يستفيد منها لبنان، وقد أوردنا ذلك تحت عنوان «بريق أمل يلوح في الافق»، بدا أنّ طلائع الانعكاسات الايجابية بدأت تظهر. فالتقدم في المفاوضات جعل ايران اكثر ليونة. أما تصاعد الارهاب داخل السعودية، فجعل الرياض أقرب إلى خفض السقف وولوج سبل التسويات.

في لبنان دعا السيد حسن نصرالله إلى فتح قنوات التواصل مع تيار «المستقبل»، مثمّناً موقفه من احداث الشمال. وهذه المبادرة التي جاءت وفق توقيت داخلي واقليمي دقيق سيُلاقيها الرئيس سعد الحريري إيجاباً بعد تشجيع اميركي.

فـ«حزب الله» يجد اللحظة الداخلية مناسبة بعد الضربة الموجعة التي تلقتها الخلايا المتطرّفة في الشمال وفي صيدا، وبالتالي هو يجد مصلحة في تحصين الانجاز الميداني للجيش بتفاهم سياسي مع «المستقبل»، يعطي مناعة أمنية داخلية، ويُعزّز التماسك عند طول الحدود البقاعية مع سوريا، إلّا أنه ما كان ليقدم على خطوته الحوارية لولا وجود أجواء اقليمية مساعدة.

وقد أخذت مبادرة نصرالله الكثير من النقاش والتمحيص على مستوى الفريق الخاص المحيط بالحريري، وجاء التشجيع الاميركي والمباركة السعودية ليؤكدا القرار: تلقف المبادرة إيجاباً وفتح أبواب الحوار، عبر الرئيس نبيه برّي وأيضاً عبر العماد ميشال عون الذي سيحظى بدور في هذا الاطار. من هنا الرسالة النارية الاعتراضية للمجموعات المتطرفة بإطلاق النار على مركز «المستقبل» في عرسال.

بالتأكيد، إنّ الملفات الشائكة بين «المستقبل» و»حزب الله» كثيرة. لكنّ ملف الرئاسة سيحظى بمساحة واسعة خصوصاً أنّ إحدى قنوات التواصل ستكون عبر عون نفسه. كلّ ذلك يعطي الأمل بنتائج ممكنة، ولو أنّ التجارب علمتنا الحذر، فنحن في لبنان حيث المفاجآت غير المحسوبة واردة في كلّ لحظة.