ما تتعرض له السلطة التشريعية منذ سنة ونيف لا يمكن تصنيفه بأنه شكل من اشكال اللعبة الديموقراطية. ويجرؤ البعض على اعتباره انقلاباً موصوفاً على الدولة والنظام والدستور، لأن تعطيل المؤسسات لإجهاض استحقاقات دستورية ودرس مشاريع وطنية ملحة بعضها بمثابة الاستحقاق لا يمكن تبريره حتى ولو كان «النائب يمثل الأمة جمعاء ولا يجوز ان تربط وكالته بقيد أو شرط»، كما جاء في نص الدستور.
فقد جرت العادة ان يطالب النواب رئيس المجلس بالدعوة لعقد جلسة عامة، واليوم وصل عدد الدعوات التي وجهها الرئيس نبيه بري إلى 23 ولم يكتمل نصابٌ، وبدعة المشاريع الضرورية لم تكن كافية لفك أسر التشريع بعد ان اتفق على الخلاف بين ما هو ضروري وما هو غير ضروري، وهذا ما يستدعي التساؤل عما إذا كان «عدم جواز ربط وكالة النائب بقيد أو شرط» ينطبق على الحالة السائدة أم انه غير ذلك، وبالتالي يخرج عن «تغطية» الحصانة النيابية؟
الجدير ذكره هو: الإشارة أولاً إلى الاختلاف بين التغيب عن الجلسة الذي يساهم في عدم انعقادها لتعذر توافر النصاب، وبين حضور النائب ومشاركته في توفير النصاب والانسحاب خلال المناقشة، حتى وإن أدى ذلك إلى تعطيل النصاب. فالمشاركة في عدم إكمال النصاب لعقد الجلسة غير جائز قانوناً «إلا بعذر مشروع» وفق المادة 61 ـ نظام داخلي، والنظام الداخلي يرتقي في هذا النص إلى مصاف الاحكام الدستورية، باعتبار ان المشترع الدستوري، ومنذ صدور الدستور سنة 1926، أناط بالمجلس وضع نظامه الداخلي ولم يضع شروطاً لذلك إلا ما يمكن له ان يتناقض مع احكام الدستور، بينما الانسحاب من جلسة اكتمل نصابها يكون في معظم المرات لتسجيل اعتراض أو حتى حث الآخرين للانسحاب لتعطيل النصاب للحؤول دون إقرار مشروع أو تأجيل درسه.
ولهذا منعتِ «المادةُ 61 ـ نظام» النائبَ من التغيب عن أكثر من جلستَين في أي دورة إذا لم يكن ذلك بعذر مشروع يسجل في قلم المجلس، بينما تُرك الانسحاب من الجلسة اثناء انعقادها حراً مهماً تعدد ذلك. ومن هنا يتبين ان مقاطعة الجلسة كما هو حاصل اليوم يشكل خرقاً للدستور يمارسه النواب المقاطعون. والسؤال هو التالي: هل يمكن للحصانة النيابية ان تشفع للمعطلين، سيان أكان ذلك لجهة انتخاب الرئيس أم لجهة التشريع، بمثل هذا الخرق للدستور؟
إن حصانة النائب محددة في «المادتَين 39 و40 ـ دستور»، والمادة الأولى (39) هي الأقرب إلى الحالة المطروحة كونها تتعلق بالحصانة على «الآراء والأفكار التي يبديها النائب». ولكن هل أن النائب الذي يستنكف عن ممارسة صلاحياته الدستورية طوال أكثر من ربع (4/1) ولايته القانونية يكون في حالة إبداء آراء وأفكار؟ وهل أن من أوكلوا إليه تمثيلهم أقروا له ولو ضمناً في هذه الوكالة الشاغلة ان ينوب عنهم في تعطيل صلاحيات السلطة؟ إن المشترع اعتبر خرق الدستور، كما الخيانة العظمى، من الكبائر التي تلقي التهمة على رئيس البلاد وتخضعه للمحاكمة. فكيف يمكن أن يكون هذا الاعتبار قابلاً للتطبيق هنا ومستحيل التطبيق هناك؟!
من هنا يمكن القول للذين يصرون على ممارسة صلاحياتهم التمثيلية للأمة بتعطيل مؤسساتها الدستورية: «حاوِلوا، ولو لتشريع هذه الممارسة، تلبيةَ دعواتِ رئيس المجلس للجلسة كي تنعقد، ولا تألوا ـ انتم ـ جهداً في استنباط ذريعة لتعطيل نصابها بعد انعقادها، وفي هذا مكسب لكم بتسجيل أسمائكم في المحضر الذي يبقى للتاريخ».