كيان قائم بحد ذاته بنيته التحتية في التفتيش المركزي… والفوقية في “السحابة الإفتراضية”
ساهمت أزمة كورونا بانضاج “طبخة” التحول الرقمي على الصعيد الرسمي. الجهود الحثيثة التي بذلت في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ العام 2018 باطلاق “استراتيجية التحول الرقمي في لبنان”، ومن ثم تخصيص تكنولوجيا المعلومات بوزارة دولة في العام 2019، تفتّحت في نيسان 2020 إنطلاقاً من مبدأ “الحاجة أم الإختراع”. فولدت منصة البلديات والوزارات المشتركة للتقييم والتنسيق والمتابعة IMPACT.
من منّا لم يستعمل هذه المنصة للتنقّل، لمرة واحدة على الأقل، في أوقات الإقفال العام؟ ومن منّا لم يتسجل عليها، أو يساعد أحد أفراد عائلته لأخذ لقاح كورونا؟ ومن منّا لم يدخل عليها ليتسجل شخصياً، أو يقدّم العون لقريب أو صديق في تعبئة استمارة الشؤون الإجتماعية في مسح من هم الأكثر حاجة للمساعدة المادية؟ ومَن مِن البلديات، والجهات الرسمية والجمعيات لم يستعملها لمتابعة حالات كورونا، ولتقييم الأضرار بعد انفجار 4 آب، ومتابعة ملف الحد من مخاطر الحرائق؟ الأرقام الصادرة عن تقرير “عمل المنصة للفترة الزمنية الممتدة بين تموز وتشرين الأول 2020″، تجيب عن نفسها. فقد بلغ إجمالي عدد الحسابات الرقمية المسجلة على منصة IMPACT تلك 5818 حساباً لغاية نهاية العام 2020. يندرج منها 5373 ضمن منصة البلديات، و442 ضمن منصة الوزارات المشتركة للتقييم والتنسيق والمتابعة. بلغ عدد إستمارات المساعدات الإجتماعية المسجلة لغاية كانون الأول 2020 حوالى نصف مليون إستمارة، تعود فعلياً إلى ما يزيد عن 1.8 مليون مواطن. كما سجلت المنصة دخول أكثر من 11.5 مليون شخص لطلب الأذونات في فترات الإقفال. هذا فضلاً عن تسجيلها بالتفصيل أعداد مصابي كورونا، وكيفية توزيعهم، والجهات المولجة بعملية الرصد والمتابعة… وغيرها الكثير من التفاصيل التقنية والرقمية والإحصائية عن المواضيع المكلفة الإهتمام بها لغاية الآن.
في الشكل تتواجد المنصة في مبنى التفتيش المركزي، وهي تشغل طابقاً مزوداً بأحدث التجهيزات التقنية. وقد ساعدت الحكومة البريطانية على تأسيسها ودعمها بمبلغ 400 ألف جينه استرليني. وهي تدار من فريق عمل لبناني مؤلف من حوالى 35 مهندساً ومختصاً في الإحصاءات وتكنولوجيا المعلومات. أمّا في المضمون، فقد توسع عملها سريعاً من تعزيز التعاون بين البلديات والوزارات في متابعة فيروس كورونا، لتشمل مواضيع تمسّ بالحوكمة والإنماء بشكل عام. حتى باتت تشكّل اليوم المنصة الحكومية الإلكترونية الأولى في لبنان. وبهذا تكون مدماك الزاوية في خطة “تحويل الحكومة إلى منظمة رقمية”. وتسريع وتسهيل تطبيق الأهداف التي تتصل بالتخلص من الروتين الإداري، والمحسوبية، وتحقيق أعلى مستويات التنسيق بين الجهات المعنية وتعزيز الشفافية، واتساق المعلومات وتأمين كشفها وسهولة الوصول إليها. وبالتالي إعادة توضيح دور الحكومة وإجراءاتها لتكون أكثر فاعلية وكفاءة.
البداية المعكوسة
الإيجابيات الكثيرة التي استطاعت IMPACT تحقيقها في وقت قياسي تتطلب العمل الجدي، على إقفال بعض الثغرات التي رافقت إنطلاق عمل “المنصة”، وتطويق تلك التي من المحتمل ظهورها في المستقبل. وذلك قبل أن تزداد المشاكل تعقيداً، مع توسيع نشاطها ورفدها بالمزيد من المعلومات والبيانات. وعلى الرغم من أن “منطق الأمور كان يفترض وجود حكومة إلكترونية، تنطلق من قاعدة بيانات أساسية وبديهية لعدد السكان، ومن ثم العمل على خلق منصة إلكترونية، فقد بدأت الأمور معكوسة، بطريقة قد تهدد استمرارية هذه المنصة بشكل محترف وإمكانية حمايتها من الخروقات والمشاكل”، يقول الخبير في الأمن الإلكتروني غسّان بلطه جي.
تحدّي حماية البيانات الشخصية
حماية قاعدة المعلومات وخصوصيات المسجلين على “المنصة” من الخروقات تعتبر إحدى أهم التحديات التي تواجهها. فعدا عن أن انطلاقتها لم تراعِ أبسط معايير الحماية لـ”داتا” البيانات، حيث كانت الروابط الداخلية في اليوم الأول مكشوفة، ومن الممكن أن يكون قد جرى تحفيظها لاستغلالها لاحقاً، فان التعديلات التي أدخلت عليها لا تزال غير كافية”، بحسب بلطه جي. فالمعلومات التي يتم إدخالها على المنصة يومياً غنية جداً. وهي تكشف بالإضافة إلى المعلومات الشخصية والموقع الجغرافي للمستخدم، وتفاصيل السكن وأرقام الهواتف… الكثير من المعلومات المتعلقة بوضعه الصحي والإجتماعي والعائلي وغيرها العديد من التفاصيل غير الموجودة لغاية اليوم على أي موقع رسمي في لبنان.
ومن هنا فان “قرصنة هذه المنصة من الخارج، أو تسريب المعلومات من الداخل يعتبران أخطر ما يتهددها”، بحسب بلطه جي. فعدا عن الثغرات التقنية التي من الممكن استغلالها من القراصنة، وهي كثيرة، فان الخروقات التي حدثت من الداخل في الماضي القريب بعدم احترام البيانات كثيرة. ومنها على سبيل الذكر لا الحصر تسريب قاعدة بيانات أرقام لوحات السيارات (من الداخل) وتحميلها على مختلف الأجهزة الإلكترونية. هذه المعطيات تطرح من وجهة نظر بلطه جي تساؤلات عن “إمكانية تكرار الأخطاء نفسها مع البيانات التي يتم إدخالها يومياً على المنصة. هذا من ناحية، أمّا من ناحية ثانية فان هناك مشكلة تتعلق بمراقبة البيانات وعدم معرفة من المسؤول عن حمايتها لغاية الآن، سواء كان ذلك في موضوع المعلومات المتعلقة بكوفيد -19 أو غيرها.
فهل هي وزارة الصحة أم الشؤون الإجتماعية أم جهات أمنية وعسكرية أو مجلس كورونا أو غيرها. وهو يوصلنا إلى السؤال التالي “من المسؤول عن وضع البيانات وحذفها ومن يملك إمكانية الدخول على الموقع”. بالإضافة إلى المحاذير التقنية فهناك مخاوف من دخول السياسة عليها وإفسادها. فبناء على السياسة المتبعة من قبل السلطة الراهنة، المنخورة بالفساد والمحسوبيات، فان “الآمال المعقودة على هذه المنصة للإنتقال عبرها إلى الحكومة الإلكترونية ضعيفة جداً”، يقول بلطه جي. تجربة منصة IMPACT فريدة من نوعها. وأهميتها تكمن في إمكانيات تطويرها الكبيرة، واختزال الكثير من الوقت والجهد والرشاوى في تخليص المعاملات.
هذا بالإضافة إلى توفيرها قاعدة بيانات شفافة ومنظمة في مختلف المجالات الصحية والإجتماعية والبيئية وغيرها الكثير من المجالات التي من الممكن إضافتها. لكن بالإضافة إلى كل المعـوقات التقنية والسياسية، فان مشاكل هذه المنصة حالياً قد تكون أبسط بكثير، وهي تتلخص بحسب احد المتابعين بـ”توفير مادة المازوت لمولد التفتيش المركزي لإبقائها تعمل.
وهو الأمر الذي اضطر الموظفين إلى جمع كلفة اشتراك مولد من بعضهم لئلا تنقطع الكهرباء عنها”.