IMLebanon

التوازن بالنيّات وبالجهوزية

 

تُصرّ الاطراف المُمثِّلة لمحور المُمانعة في لبنان على التعاطي مع الاطراف المُمثِّلة لأكثرية الشعب اللبناني بمنطق الفرض وإرسال التوجيهات والارشادات وتحديد الخطوط الحمر التي رسمتها لهم، وتعتمد أيضاً التعجرف والتعالي والفوقية، ما يدلّ على تخلّيها عن معادلة الشراكة والتبادل والتفاهم الوطني، وتتمادى بمنهجيتها فتتقصّد تربيح الشريك في الوطن الجميل بالسماح له بالاستمرار في العيش على أرض جدوده، «شفاء العقل من كبريائه ضرورة للوصول الى المعرفة» (تيودوروس القورشي).

 

وفي حين تتصرّف بهذه المنهجية المدمّرة للوطن وللعلاقات الطبيعية بين فئاته، تفتقد بمسارها السياسي لأدنى الشروط والصفات التي تسمح لها بالادّعاء بتحلّيها بمكانة المُرشد أو المثال الناجح الذي يستحقّ أن يُحتذى به. فتاريخ هذا المحور بادارة البلاد لم يكن أبداً مُشرّفاً، وتحمّله للمسؤوليات الوطنية كان دائماً مثالاً للفشل، وممارسته للصالح العام كان باستمرار نشراً للفوضى، والتغيير الذي أحدثه في مسار لبنان كان كارثياً بجميع المعايير، في حين أنّ تاريخ، وإرث المحور السياسي المعارض له والمتحدّر من زمن لبنان الجميل مليئان بالانجازات والنجاحات العلمية والفنّية والاستثمارية، والازدهار والتمدّن والتطور، في زمنٍ كان الشعب اللبناني مضرب مثل لكيفية نجاح الشعوب الصغيرة في جذب الاقتصاد الدولي الى شركاتها ومصارفها والاستثمارات الى مدنها ومتاجرها، والعمل الدبلوماسي العالمي الى دوائر دولتها، والمفكّرين الدوليين لنواديها وجامعاتها، «فمن لا يعرف الماضي أو لا يعترف به فهو محكوم بالسقوط».

 

لم تتوقّف النجاحات اللبنانية الا مع بدء غزوات محور المُمانعة المتتالية على لبنان منذ سنة 1975، وإن تغيّرت هوية مُحرّكيه لكن لم تتغيّر أهدافه، ومهما حاول هذا المحور التدليل أو استغلال بعض النواقص في المسار اللبناني السابق لغزواته، فبمقارنة بسيطة بين ما أنجزه لبنان وما كان عليه الشعب اللبناني قبل بدء تدخّلاته فيه وما تحوّل اليه لبنان مع افرقاء المُمانعة، نجد أن الفرق ليس فقط شاسعاً جداً، بل من المنطقي اعتبار المسارين، المثلين النقيضين لبعضهما البعض.

 

وإن كان التوازن بين المسارين لا يمكن تحقيقه، بمعنى أنّ لبنان المُحرّر من محور المُمانعة، هو النجاح، ولبنان المُصادر من هذا المحور هو التخلّف، فإنّ محور المُمانعة الذي ظنّ لوهلةٍ من الزمن، خادعاً نفسه، أنّه تمكّن من الامساك بالبلاد كون التوازنات السياسية فد انكسرت بنسبةٍ كبيرة لصالحه، فقد تفاجأ أخيراً بأنّ المحور المعارض له قد حقّق، ليس فقط التوازن، بل أنّه قد تغلّب عليه في خطواته السياسية المدروسة، وأنه لم يعد لاملاءات محور المُمانعة التأثير الكبير على أفرقاء هذا الوطن. فدائرة الرفض لمنهجيته وايديولوجيته تكاثرت وتعاظمت، وتتماسك يومياً لمنعه من إعادة البلاد الى ممارسة الاعيبه السابقة التي أخضع من خلالها الكثيرين لتهديداته ولتسوياته «إنّ العالم خطر ليس بسبب هؤلاء الذين ينشرون الشرّ فيه، بل بسبب هؤلاء الذين لا يفعلون شيئاً لمنع الشرّ».

 

إنّ الغلبة التي طالما اعتدّ بها هذا المحور لم تكن نتيجة لنجاحاته ولتفوّقه الفكري والمناوراتي، بل بسبب تخاذل البعض وتراجع البعض الآخر ورفض الآخرين للمواجهة. الجهوزية كانت دائماً متوفرة والنيّات كانت مفقودة عند الاكثرية. أمّا اليوم، فالمسألة مختلفة، وها هي أصوات المسؤولين في محور المُمانعة ترتجف وتعلو وتُهدّد، واغتياظها ناتج عن عدم قدرتها على تصديق الواقع المستجدّ الذي يرفضها، وقرّر تنظيم صفوفه وتحرير بلده، ولم يعد للتوازن بين المسارين من معنى، النيّة باتت واضحة وهي تحقيق التحرّر، أمّا الجهوزية فدائماً في طور التحضير.

 

(*) عضو تكتّل «الجمهورية القوية»