IMLebanon

المسار والمصير

 

عندما فرض النظام السوري، المُتحكّم باللبنانيين، والمُسيطر على الدولة اللبنانية بكافة مفاصلها في التسعينات من القرن الماضي وحتى سنة 2005 شعار «وحدة المسار والمصير» صدقَ بأنّه لا مسار من دون مصير ناتج عنه، فكان مصير اللبنانيين مشابهاً تقريباً لمصير الشعب السوري، قهراً وقمعاً وقتلاً واغتيالات وعذابات وإذلال، والمُسبِّب واحد، مسار أحد انظمة محور المُمانعة وقائده حينها الذي اتخذ اسم «محور الصمود والتصدّي». وكما كان في ذلك الوقت المصير نتيجة المسار، كان هناك بالتوازي مسار آخر مناقض له ومعارض له تماماً، فأنتج مسار «ثورة الارز المجيدة».

القصد من ذلك الشعار التلازمي للنظام السوري ربط الشعب اللبناني الحرّ بالشعب السوري المقموع والمظلوم، للتخلّص من ثقافةٍ كانت تُعاكس مساره التخلّفي، فأتت النتيجة مع الوقت تحرّراً للشعب اللبناني وامتداداً لروح الحرّيات إلى الشعب السوري. أمّا لو خضع اللبنانيون للمسار البعثي في سوريا، فما كان لمصير الشعب اللبناني فعلياً الا مصير الشعب السوري الذي غُدرَ به وقتل وتهجّر.

إنّ شعار «شعب واحد في دولتين» كان الهدف منه التأكيد على تقليل الفروقات بين الثقافتين وتطبيع الحياة اللبنانية بطبيعة النظام السوري، ولكن مشروعه سقط، فكانت مسارات اللبنانيين هي الاقوى.

سبق المسار السوري شعار مُشابه طرحه في السبعينات مشروع السلاح الفلسطيني على الأراضي اللبنانية، فكان له النفوذ على قسم من السلطة اللبنانية وعلى مساحة واسعة من الاراضي اللبنانية حين ارتكز بممارساته التجاوزية للقانون وللسيادة اللبنانية على «اتفاقية القاهرة» التي وُقّعت في سنة 1969 وسمحت للعمل المُسلّح الفلسطيني على الاراضي اللبنانية، فكان مساراً انحدارياً للبنان، انتهى بمصير تدميري مليء بالحروب والشرذمة والقتال الداخلي والانقسامات الخطيرة. ومجدّداً، انتصر مسار الروح اللبنانية الحرّة وعاد اللبنانيون لبعضهم البعض تحت عقدٍ أكّد على الشراكة والحياد والروح الحرّة.

بعد سقوط شعارات العمل المُسلّح الفلسطيني وشعارات تلازم المسار والمصير السورية كنتيجة طبيعية لصمود الاستقلالية اللبنانية وسيادة اللبنانيين على بلاد الأرز، انتقل الوطن إلى مرحلة بروز مشروع جديد ذات شعارات بعباراتٍ متعدّدة، ولكن في حقيقته ليس الا استمرارية للشعارات السابقة للمحور ذاته المتجدّد في لباسٍ مختلف وباستمرارية فكرٍ واحد، فظهر شعار «جيش، شعب، مقاومة»، وارثاً قيادة محور التخلّف، وفارضاً من خلال أذرعته الايديولجية والأمنية والعسكرية على لبنان سياسات المحور.

واستطاع نسج شبكة مصالح مع عدد من أطراف هذا المجتمع، جمعها معه حبّ السلطة والمفهوم الفسادي الزبائني ورفض منطق المؤسسات وحكم القانون، ففُرض المسار الذي أدّى إلى المصير الحتمي لمشروعه، واضعاً الشعب والجيش بخدمة سلاحه المقاوم «لأجل ايديولوجيته»، فكان المصير الذي أخذ لبنان إلى دورٍ لا يشبهه، وأسقط اللبنانيين في فخٍّ لا يمكنهم الخروج منه الا بأخذهم مساراً آخر مناقضاً تماماً له، أمّا رهان البعض على الوقت ليأتي تحرير لبنان من محور المُمانعة فليس الا إمعاناً في تسليمه لذلك المسار الذي توضع خطواته الاستراتيجية في دهاليز الحرس الثوري الايراني في طهران.

إنّ الخروج من نفق ومسار النظام الايراني يتحقّق بالدخول في المسار المواجه له والذي أخذته دول الخليج، كمسار رابط بين الغرب والشرق، ويبدأ بإعادة بيروت همزة الوصل الطبيعية بين طرفي العالم، ولبنان مركزاً لتوجيه الغرب نحو الشرق ولتسهيل وتقصير الممرّات من الشرق نحو الغرب، كما كان سابقاً سبّاقاً في هذا المسار الانتاجي والتطوري والاستثماري.

وإنّ وقوف بعض الاطراف السياسية اللبنانية على الحياد من المعركة التي تسري بين المسارين سيُساهم بوضعنا خارج المعادلات الاقليمية التطورية، ويرمينا بشكل كامل بحضن المسار الايراني التقهقري. وبنظرةٍ متأنّية للأحداث في المنطقة نرى الفرق الذي يكبر يومياً بين المسار الخليجي الغني بالمشاريع الانمائية والاستثمارية الجاذبة للاقتصاد العالمي والمؤهّلة لدولها للحلول مكان مراكز الاقتصاد العالمي، أو على الاقل لدخولها إلى خريطة المنافسة الدولية والغازية للعلوم الفضائية والحاضنة للسياحة وللفنون وللاحداث الرياضية، ومسار محور المُمانعة المُدمّر للشعوب وللعلوم وللانجازات الانسانية والمُنشّف للمقومات الوطنية.

إنّهما مساران ومصيران، ومن المُستغرب أنّ البعض ما زال مُنتظراً أن يتبيّن مكانه ما بين المسارين، وما زال يتحيّن الفرص للانضمام إلى أحد المحورين او المسارين، غافلاً عن الحقيقة أن تجارب المُهادنين سابقاً مع المسار المُمانع أوصلتهم إلى الافلاس والفشل والسقوط والانكشاف والموت.

من خطا خطوةً واحدة في المسار المُتهالك لا أمل له بالخروج يوماً منه، ومن تأخّر عن التمييز بين المسارين تجاوزته الاحداث، وبقي منتظراً على قارعة الطريق، ومن لم ينضمّ الى المسار المُناقض لمسار محور المُمانعة، فمصيره كمصير المحور، فشلاً وانهياراً.

(*) عضو تكتّل «الجمهورية القوية»