Site icon IMLebanon

حصرمة في عين السلطة

 

عملياً أنهى «التيار الوطني الحر» الذي أصبح بيدِ الوزير جبران باسيل كلَّ معاركه «من أجل السيادة والاستقلال»، أمّا التغيير والإصلاح «فنقل لبنان إلى مرتبةٍ حقّقَ فيها الأسبقية على سويسرا، وبنى معاملَ الكهرباء وسطعَ النور 24 على 24، وقضى على «داعش» الدولة الإسلامية في لبنان (تيار المستقبل)، إذ تحالفَ مع هذه الدولة، وقاتلَ «الإخوان» فالتقى في لوائح معهم، وأصبح وإياهم إخواناً، ولم يتبقَّ له إلّا فصلٌ صغير في سِجلّ الانتصارات، فكان الهدف إسقاط لائحة ميشال المر في المتن، «حتى يكتمل النقل بالزعرور».

قد يسأل البعض؛ ما الهدفُ من الهجوم على لائحة «أبو الياس»، ولماذا استعصَت هذه الحصرمة بعين باسيل، وهل كان فوز المر يستأهل كلَّ هذه الحملة الشعواء، التي استَعملت الأساليبَ الفاقعة، حتى وصَل الأمر إلى حدّ الانكشاف على مشاعر دفينة وقديمة، وعلى رهانات بأنّ اللحظة حانت للإطباق على الحالة التي يمثّلها المر، وإلحاقِها بالعهد، ولو بأساليب الترهيب والبلطجة والتشبيح، وسحبِ المرشّحين، وتجيير أجهزةٍ أمنية للضغط على البلديات، وترهيب الحلفاء.

ما هو الهدف الآن من هذه الحملة المبرمجة التي تأتي في سياق سياسة «الجوع العتيق» كما يصِفها مرجع سياسي، وهو جوع عتيق، يلتهم البواخرَ والمواقع والتوظيفات والحصصَ الوزارية، وهو الجوع الذي لم يستثنِ متموّلاً لضمِّه إلى اللوائح، هذا فيما طُرِد ناشطو التيار من جنّة الترشيح للنيابة، ومعظمُ هؤلاء كانوا يَدفعون مبالغ زهيدة من جيوبهم لتمويل نشاطات التيار إبّان وجود العماد ميشال عون في باريس.

لم يبقَ مِن تحقيق الأهداف لتيار باسيل إلّا إسقاط ميشال المر، فالأهداف تحقّقت، و«دولة الإصلاح والتغيير» عائمة على باخرة تركيّة، والثبات على مبادئ التيار لا يَشوبه شائبة.

على مسافة أيام من الانتخابات باتت الصورة أقربَ إلى الوضوح. السلطة تسعى إلى تصفية الخصوم، وتمهيد الساحة لتجديد التسوية، وهذا يفترض في الساحة المسيحية امتلاكَ ورقةِ تمثيل المسيحيين، واكتساب شرعية التحدّث باسمِهم وتشكيل الحكومات باسمِهم، واستباحة الإدارة باسمِهم، وتجديد العقد مع من يفعلون الشيء نفسَه في الساحتين الشيعية والسنّية، وهذا التجديد يمرّ اليوم في المتن بمحاولة إقفال زعامة المر، كما يمرّ في الساحات الأخرى بتأديب مَن يتجرّأ على خوضِ الانتخابات، بما يشير إلى حروب تصفية في كلّ الساحات كي يخلوَ الميدان للساعين إلى إقفال طوائفهم واحتكار تمثيلِها.

وإذا كانت معركة تيار المستقبل السنّية تتوقف على تصفية خصوم أقوياء مِثل أشرف ريفي، فإنّ معركة التيار مسيحيّاً تبدو أصعب، في ظلّ الحالة التعددية التي يَصعب القضاء عليها مسيحياً، فالمؤشرات الأوّلية تدلّ على أنّ السحر سينقلب على الساحر، لا سيّما بعد كلّ ما تمّ ارتكابُه من تجاوزات باسمِ حقوق المسيحيين وتوحيد زعاماتهم.

في الحالة المتنية، يبدو المر متّجهاً إلى فوزٍ محقّق، فقاعدتُه ثابتة، ولم تتأثّر بالتهويل والحروب النفسية، وما حصَل بعد استهداف الوزير الياس المر ونجاتِه بأعجوبة من الموت، يضيف إلى قاعدة المر بُعداً وطنياً.

يدير النائب المرّ معركتَه من العمارة، إلى جانبِه العائلة مجتمعةً، والثقة بالفوز تضاعفَت بعد الحملة المبرمَجة التي تعرّضَ لها، أمّا مَن قاموا بها فسيستفيقون صباح السابع من أيار على حلمٍ لم يتحقّق، لأنّ كلّ دروس التاريخ تستخلص حكمةً واحدة: من يتعرّض للظلم ينتصر إذا امتلك شجاعة المواجهة، وفي العمارة العتيقة في إدارة الانتخابات، شجاعةٌ سوف تُعطي في السابع من أيار، درساً لمجموعة مِن العابرين كي يَعتبروا، وفي السابع من أيار سيكون الحاصل أكبرَ مِن مجرّد تحصيل حاصل.