Site icon IMLebanon

أولوية نتنياهو: “كماشة” بين شمع والخيام

 

ساذج من يعتقد أنّ حكومة بنيامين نتنياهو ستوقف حربها في لبنان الآن، ولو أعلن قبوله بالإشراف الأميركي على تنفيذ القرار 1701. فالإسرائيليون يعتبرون أنّهم قلبوا المعادلة في حرب الشهرين الماضيين، وأنّ أمامهم شهرين إضافيين لتحقيق طموحات عسكرية قبل وصول دونالد ترامب. وربما تكون لهم فرصة شهرين بعد ذلك لتكريس الإنجازات، قبل انطلاق الإدارة الجديدة بمهماتها. فهل من داعٍ لأن يستعجلوا التسوية؟

أولوية إسرائيل الحقيقية هذه الأيام ليست ما يحققه عاموس هوكشتاين على طاولة المفاوضات، بل ما يحققه جيشها على أرض المعركة، إذ لا فاعلية للحبر على الورق في المعاهدات، ما لم تدعمه القوة العسكرية. وهذا ما أوحى به قرار نتنياهو تعيين وزير جديد للدفاع وإطلاق المرحلة الثانية من التوغل البري.

 

في الساعات الماضية، أشارت أخبار الجنوب إلى أنّ القوات الإسرائيلية حققت تقدّماً ميدانياً معيناً في البر، وإن يكن هشاً وموقتاً. ففي القطاع الغربي، يعمل الإسرائيليون للسيطرة على بلدة «شمع» ذات الموقع الاستراتيجي. فإذا حققوا ذلك، أتيح لهم فتح ثغرة مهمّة للسيطرة على الطريق الساحلي المؤدي إلى صور. وكذلك، هم يمارسون ضغطاً كبيراً لتحقيق توغل في القطاع الشرقي عند بقعة كفركلا ـ الخيام ـ مرجعيون، لبلوغ نقطة في نهر الليطاني هي الأقرب إلى الحدود (نحو 5 كيلومترات). وبالتقدّم في هذين القطاعين، تخطّط إسرائيل لإقامة «كماشة» تسهّل لها السيطرة على القطاع الأوسط، ضمن عمق يقارب الـ 5 كيلومترات. وبعد ذلك، يتمّ إنضاج الظروف للتقدّم نحو خط الليطاني بكامله، على الأرجح.

 

ولإشغال «حزب الله» في الجبهة الخلفية، تُصعّد إسرائيل ضرباتها في الضاحية الجنوبية والبقاع، سواء بالاغتيالات التي بدأت تشمل الهيكلية المدنية في «الحزب»، أو بعمليات التدمير الممنهج التي اتخذت في الأيام الأخيرة طابعاً بالغ الشراسة.

 

منطقياً، لا يمكن أن تكون إسرائيل مستعدة لوقف الحرب والقبول بتسوية حالياً، فيما جيشها ينفّذ خطط التوغل الميداني. وهي ستعمل بلا تأخير لتنفيذ هذه الخطط الميدانية، فيما دور الوساطات توفير التغطية السياسية للتقدّم الميداني. وهذا ما فعلته في غزة، حيث الحرب مستمرة منذ أكثر من 13 شهراً، فيما تراوح الوساطات في الهواء. وإذا كان نتنياهو يفضّل استمرار الحرب في غزة، غير مُبالٍ بمصير الرهائن في أيدي «حماس»، أو بالخسائر التي يتكبّدها جنوده بالأرواح، فالأحرى أنّه سيواصل الحرب في لبنان أيضاً. وسيمضي نحو أهدافه ما دامت كفة الميدان ترجح بقوة لمصلحته، وما دام الظرف الدولي الآتي سيكون أكثر ملاءمة له، بعد دخول ترامب إلى البيت الأبيض.

 

في المفاوضات التي يقودها هوكشتاين، مطلوب من لبنان أن يقدّم التنازلات بالتوازي مع التقدّم الإسرائيلي. وفي مراجعة لما جرى على مدى الأشهر الـ11 الأولى من حرب المساندة، فإنّ «حزب الله» كان يرفض عرض وقف الحرب، ولو بلا أثمان، وفك ارتباط لبنان بغزة. كما رفض أي انسحاب لمقاتليه ولو كيلومترات قليلة عن الخط الأزرق.

 

ولكن، بعد انفجار الحرب على مداها، والضربات الموجعة التي تلقّاها، بدأ «الحزب» يعلن الموافقة على العودة إلى «ستاتيكو» ما قبل 8 تشرين الأول 2023. لكن إسرائيل لم تعد تكتفي بهذا التنازل، وباتت تصرّ على ضمانات قوية لتنفيذ القرارات الدولية 1701 و1559 و1680، متذرعة بمنع تكرار «طوفان الأقصى» على حدودها الشمالية.

 

وأما اليوم، فبعد ما حققته على الارض، ومع ترقّب دخول ترامب إلى البيت الأبيض، تجرأت إسرائيل على أن تطرح نفسها رقيباً في تنفيذ القرار 1701. وليس واضحاً كيف سيتعاطى لبنان مع هذا الطرح الذي يمسّ بسيادته وكرامته الوطنية، خصوصاً إذا تجنّب الإسرائيليون تضمينه الاتفاق مع لبنان، وعمدوا إلى إدراجه ضمن ورقة تفاهم جانبية بينهم وبين الأميركيين الذين سيتولون قيادة هيئة المراقبة.

 

هذا التنازل اللبناني المتدرّج على مدى شهور، في موازاة الضغط الإسرائيلي المتصاعد، سيشجع الإسرائيليين على مزيد من التصلّب، طمعاً بدفع لبنان إلى مزيد من التنازلات، مستفيدين من رجحان الكفة عسكرياً لمصلحتهم، ومن صمت المجتمع الدولي أو موافقته.

 

إذاً، ما يريده الإسرائيليون من وساطة هوكشتاين هو انتزاع تنازل إضافي من الجانب اللبناني، في انتظار أن تسمح لهم التطورات الميدانية المقبلة، في الجنوب والضاحية والبقاع، بطرح مزيد من الشروط البالغة التصلّب. وسيكون على لبنان أن يتجرّع كأس التنازلات المتزحلقة نحو الحضيض، وبتقبّلها عند نقطة معينة، لأنّ الآتي سيكون أشدّ سوءاً، في أي حال.