حجبت التطورات المتلاحقة المتصلة بتشكيل التحالف الدولي من اجل مواجهة تنظيم “داعش” الحوادث العسكرية التي تلاحقت في الجولان وسيطرة “جبهة النصرة” على معبر القنيطرة. وانشغلت دوائر الامم المتحدة في الاسابيع الاخيرة باحتجاز الجبهة عناصر من القوة الدولية العاملة في الجولان (الاندوف) والتفاوض مع الجبهة من اجل اطلاقهم، وهو موضوع اثار تساؤلات كثيرة في المنظمة الدولية عن مهمات القوة الدولية وكيف لا تواجه الاعتداءات التي تعرضت لها، او كيفية تركها اسلحتها وعتادها للعناصر السورية المسلحة. وهو ما كان محور جلسة مغلقة لمجلس الامن الدولي يوم الاربعاء في 17 من الجاري لمناقشة هذه النقاط . ويعتقد ان ذلك يؤدي الى تساؤلات بديهية اخرى تتعلق بامكان استمرار مهمة القوة الدولية في الجولان، والتي تراجع من تبقى منها للتمركز على الجهة التي تحتلها اسرائيل من الجولان، وهل يمكن ان يكون لها اي جدوى في منع تدهور الحال والقدرة على المحافظة على الاستقرار في الجولان، علما انها لم تصمد امام هجمات “جبهة النصرة”؟ واي دول يمكن ان تقبل بالاستمرار في المشاركة في القوة في ظل تفتت سوريا بعد تعرض جنود فيجيين وآخرين للاحتجاز؟ انها تساؤلات مماثلة لتلك التي طرحت ابان تجاوز اسرائيل القوة الدولية العاملة في الجنوب من اجل اجتياح الجنوب اللبناني ومناطق اخرى على مدى اعوام طويلة، علما انه بالنسبة الى سوريا تبرز علامات استفهام مختلفة وان تكن القوة رمزية من حيث عددها وعتادها.
وثمة جوانب أخرى من الموضوع تكتسب دلالات مهمة . فللمرة الاولى منذ اربعة عقود تتعرض الحدود في الجولان المحتل لتغييرات جوهرية مع انتزاع “جبهة النصرة” والمقاتلين السوريين معبر القنيطرة الحدودي مع اسرائيل من يد النظام السوري. فالحدود بين سوريا واسرائيل في الجولان عرفت هدوءا لم تعرفه اي جبهة اخرى مع اسرائيل منذ سريان اتفاق الهدنة بين البلدين وحرب 1973. وكانت مراكز القوة الدولية تعرضت لاعتداءات، اذ خطف 4 جنود من القوة في آذار 2013، مما ادى الى مراجعة بعض الدول مشاركتها من ضمن هذه القوة .
وهذا التغيير ليس بسيطا او ضئيلا، اذ يشكل بالنسبة الى مراقبين كثر ابرز تعبير عن تحولات في سوريا تمضي قدما وتفرض وقائع جديدة على الارض، وتاليا انعكاسات وتداعيات اخرى لن تتأخر في الظهور، من ابرز دلالاتها المزيد من انحسار سيطرة النظام على حدود سوريا مع دول الجوار، بما في ذلك اسرائيل، ربما باستثناء لبنان الذي ساعده في المحافظة على الحدود معه “حزب الله” من خلال مساعدته في السيطرة على القرى الحدودية مع لبنان. وخلال الاعوام الثلاثة والنصف حتى الآن من عمر الازمة السورية، كان لدى النظام ورقة ضمان اذا صح التعبير في وجه مطالبات الدول الخارجية له بالتنحي، انطلاقا من ان استمرار وجوده في السلطة هو ضمان للاستقرار على جبهة الجولان وعدم المس باستقراره، وتاليا باستقرار المنطقة. وفي الاشهر الاولى للازمة، هدد ابن خال الرئيس السوري بشار الاسد رامي مخلوف بان زعزعة الاستقرار في سوريا تعني انه لن يكون هناك استقرار في اسرائيل على نحو يعبر بوضوح عن الربط الذي احدثه لاستمرار النظام. وخسارة النظام ورقة محافظته على الاستقرار في الجولان، تجعله يخسر ورقة قوية ما لم تعمد “جبهة النصرة” التي طردت القوة الدولية من القنيطرة على الحدود الى شن عمليات ضد اسرائيل بما يمكن النظام من استخدام ذلك لمصلحته. وبالنسبة الى مراقبين كثر، فان فقدان سيطرة النظام على اراض تشكل اهمية استراتيجية بالنسبة الى استمرارية نظامه، لا يشكّل ضربة قاصمة له فحسب، بل “يعتبر دليلا على ضعفه المتزايد، وان كان لا يزال متمكنا في العاصمة وبعض المناطق الاخرى.
وثمة في هذا الاطار من يتطلع الى اسرائيل من اجل رصد رد فعلها، في ظل اعتقاد شائع انها كانت من ابرز الممانعين لتنحي الاسد مع بقائه ضعيفا لمحافظته على استقرار الجولان من جهة وعدم قدرته بعد الآن على المطالبة به او التفاوض عليه. الا ان اسرائيل التي تتفرج على التطورات في سوريا لم تبد قلقا شديدا، اقله حتى الآن، مما يجري هناك، فيما انتشرت الصور على وسائل التواصل الاجتماعي لاسرائيليين افترشوا المناطق المطلة جنبا الى جنب مع عناصر من القوة الدولية يتابعون سير المعارك على الطرف الآخر من الحدود في الجولان، ولم يبد عناصر “جبهة النصرة” اهتماما بتجاوز سيطرتهم على مواقع جيش النظام ومراكزه، وكذلك مراكز القوة الدولية. ويذكر في هذا الاطار ان البيانات التي صدرت عن الأمم المتحدة لم تسم “جبهة النصرة”، علما ان الاخيرة كانت طالبت المنظمة الدولية بنزعها من لائحة الارهاب في معرض التفاوض من اجل اطلاق جنود القوة الدولية الذي تحتجزهم. ويلفت بعض المراقبين ايضا الى ان التحالف الدولي من اجل مواجهة تنظيم “الدولة الاسلامية” لم يذكر “جبهة النصرة” من ضمن الاستهدافات المحتملة.