Site icon IMLebanon

كلام مهم للافروف على مسامع جنبلاط

شكّلت زيارةُ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط لموسكو منذ أسبوعين مناسبةً لتجديد أواصر التعاون بين زعيم الإشتراكية في لبنان والبلد الأم لليسار سابقاً.

في وقتٍ يقف الزعماء اللبنانيون منتظرين أن تمنحهم روسيا موعداً لزيارتها، إصطحب جنبلاط نجلَه تيمور ووفداً من الحزب التقدّمي الإشتراكي إلى أحد اهمّ العواصم العالمية المقرّرة في الشرق الأوسط، إنها أوّل زيارة على هذا المستوى لتكريس وراثة تيمور الجنبلاطية عالمياً.

يشكو كل مَن يزور روسيا أنّ الصيف لم يأتِ بعد، فقد طال الشتاء، والبردُ ما زال مسيطراً على الأجواء الروسية بعكس تدخّلها العسكري في سوريا الذي ألهب السماءَ والأرض، وفتح مرحلةً جديدة في مستقبل المنطقة وحتى في سياسات العالم.

لكنّ كل تلك العوامل والملفات الكبيرة التي تسيطر على موسكو لم تُنسِها الملفات والتفاصيل اللبنانية، والمفاجأة حصلت خلال اللقاءات التي عقدها جنبلاط والوفد المرافق مع المسؤولين الروس.

وفي السياق، فقد علمت «الجمهورية» أنّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكّد خلال اللقاء حرصَه على العلاقات الروسية مع لبنان عموماً ومع آل جنبلاط وخطّهم السياسي خصوصاً، وتوجّه الى جنبلاط الأب، قائلاً: «علاقتنا بدأت معكم منذ زمن بعيد، فكانت قوية مع كمال، وتتابعت معك، وستستمرّ مع تيمور، وهذه من الثوابت لأننا نرغب في الحفاظ على أصدقائنا اللبنانيين».

ترك هذا الكلامُ إرتياحاً في نفس جنبلاط الأب، وقد علم أنّ خطوط البيت الجنبلاطي مع زالت مفتوحة مع أكبر دول العالم فيما هامشُ تحرّكه الداخلي يضيق وحجمُه يتقلّص.

وقد أتت زيارته لموسكو نتيجة علمه أنها اللاعب الأساس في المنطقة بعد تدخّلها في سوريا وفرضِها شروطاً جديدة، كما أنّ جنبلاط يرتاح في التعامل معها لأنه يعتبرها «وفيّة» الى حدّ كبير لأصدقائها بعكس الولايات المتحدة الأميركية، في حين أنّ إستعادتها دورَها الإقليمي يجعلها سنداً كبيراً لحزبه. ومعروفٌ عن جنبلاط قراءته الجيدة لإتجاه الرياح الدولية، ليبني على أساسها سياسته المحلّية ويختار تموضعه بين الأفرقاء.

ومن جهة أخرى، يفصل جنبلاط بين وضعيته الداخلية وعلاقته الدولية التي لا تُقاس بحجم نواب كتلته النيابية أو الوزارية، إذ إنّ المنطقَ السائد يُظهر الدروز في لبنان والمنطقة أنهم أقلّية مهدَّدة، لكنّ جنبلاط والمتابعين يعلمون أنّ المسيحيين، وحتّى الشيعة، يصنَّفون ضمن الأقليات إذا ما قيس هذا الأمر على البحر السنّي الممتد على مساحة العالم العربي والإسلامي.

ومن هذا المنطلق، إلتمس جنبلاط من خلال لقاءاته أنّ روسيا تُظهر إهتماماً بارزاً بالحفاظ على الأقلّيات في المنطقة. وبالنسبة الى لبنان، فقدّ ردّد بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل أنه «يهمّنا أن نحافظ على الوجود المسيحي في لبنان والمنطقة، لكن يهمّنا أيضاً أن نحافظ على لبنان كدولة وعلى كل مكوّناته، وهذا أمر لا نرضى أن يتعرّض لأيّ إهتزاز». وبالتالي، فإنّ هذا الموقف يعطي إنطباعاً بأنّ روسيا لن تتدخّل مستقبلاً في لبنان طرَفاً مع فريق ضدّ آخر.

يعود جنبلاط من عواصم القرار العالمية، ليرى الواقع الديموغرافي الذي بدأ يضيق في الجبل، خصوصاً مع إعتماد القانون الانتخابي النسبي، وحتى إنّ الدروز لا يشكلون غالبيةً في الشوف وعاليه، تلك الدائرة التي صُمِّمت من أجل الحفاظ على الخصوصية الدرزية الجنبلاطية.

وعلى رغم العلاقة التاريخية مع الرئيس سعد الحريري، إلّا أنّ أيَّ اهتزاز في العلاقة الجنبلاطية – الحريرية سيؤثر إنتخابياً، مع إنّ القانون النسبي لا يوجد فيه خاسر.

عاد جنبلاط مطمئنّاً الى أنّ روسيا لن تتخلّى عن حلفها وصداقتها معه، وعُلم أيضاً أنّ وفاءَ روسيا لحلفائها يعني أنها وفيّة للرئيس بشار الأسد، ما يفسّر بقاءَه في السلطة على المدى المنظور، وبالتالي يجب على جنبلاط الذي يعلم أنّ المنطقة مقبلةٌ على «أمر ما كبير» أن يرسم سياسته الإقليمية وفق المعطيات الجديدة.