من 47749 سيارة عام 2017 إلى 4800 سيارة عام 2020
هي ليست بالأزمة المستجدة فمعاناة قطاع السيارات في لبنان بدأت تتواى فصولًا منذ العام 2011 بسبب تردّي الأوضاع داخليًا وفي الجوار على الصعيدين الأمني والسياسي، مع ما نتج عن ذكل من ترددات اقتصادية واجتماعية، وفي ظل تجدد الفراغ الحكومي المتمادي الذي شهده لبنان وما نتج عنه من توترات على أكثر من صعيد ومن تدهور في القطاعات الإقتصادية على حدّ سواء، أخذت عملية إستيراد السيارات في لبنان بالتباطؤ شيئًا فشيئًا.
تراجع معدل أعداد السيارات المستوردة خلال السنوات العشر الماضية حوالى 90%، بعد أن تخطى السبعين ألف سيارة سنوياً في إحدى المراحل التي سبقت عام 2011. وبحسب الأرقام تم استيراد نحو 47749 سيارة عام 2017 وتدنى الرقم إلى 4800 سيارة عام 2020.
ومنذ 2019، ها هي الضربات المتلاحقة تصيب القطاع واحدة تلو الأخرى وبوتيرة أسرع، وصولاً إلى حالة الانهيار شبه التام الذي يشهده حالياً.
ماذا يقول النقابيون وبعض أصحاب المعارض عن الأزمة الراهنة وهل من حلول مستقبلية من شأنها إنقاذ القطاع؟
يؤكد رئيس نقابة مستوردي السيارات المستعملة في لبنان، السيد إيلي قزي، أنّ السبب الرئيس لتراجع القطاع هو الأزمة المصرفية التي ضربت لبنان وما تأتى عنها من حجز لأموال المودعين وتجميد أرصدتهم، من جهة، ومن فرض للقيود على التحاويل إلى الخارج، من جهة أخرى. ففي حين أنّ معظم نشاط القطاع يرتكز على عمليات البيع بالتقسيط كما على التحاويل الخارجية، حرمت الأزمة المصرفية المشتري من امكانية تسديد ثمن السيارة دفعة واحدة، كما جعلت أصحاب المعارض غير قادرين على الإيفاء بالتزاماتهم الخارجية. تقهقر في حجم المبيعات تُرجم تلقائياً تراجعاً في نمط الاستيراد.
وفي هذا السياق، يشير السيد وليد فرنسيس، نقيب أصحاب معارض السيارات المستعملة في لبنان، وصاحب معرض فرنسيس للسيارات في أنطلياس، إلى أنّ عجز أصحاب المعارض عن تسديد ديونهم للخارج أفقدهم ثقة التجار الأجانب، ما شوّه سمعة القطاع في الدول العربية كما الأوروبية.
يتابع السيد فرنسيس: «لكن، ومع تعاظم أزمة السيولة، رحنا نتعامل بالشيكات، غير متوقعين أنّ الأزمة المصرفية لن تجد طريقها إلى الحل السريع، فأتتنا الصفعة الثانية حين توقف العمل بالشيكات، ما اضطرنا للبيع بخسارة تزيد عن 60%، بهدف تسديد ديوننا الخارجية ومصاريف الشحن التي أُلزمنا بدفعها بواسطة الأموال الطازجة».
من ناحية أخرى، حلت جائحة كورونا ثقيلة هي الأخرى على القطاع كما على جميع القطاعات لا فرق. هنا يضيف السيد قزي أنّه، وبالرغم من مناشدة النقابة المتكررة بأنّ القطاع لا يحتمل مفاعيل الإقفال وهو متجه نحو الإفلاس التام، ومن كون جميع المعارض مكشوفة وملتزمة بمعايير السلامة العامة، إلا أن الإصرار على إقفال المعارض ساهم في تدمير ما كان يجري العمل عليه لإنقاذ ما أمكن إنقاذه.
النتيجة: إقفال حوالى 1700 معرض من أصل 2200 في لبنان أبوابه وتراجع عدد السيارات المستوردة من حوالى 28000 سيارة سنة 2019 إلى أقل من 5000 سيارة سنة 2020.
ثم جاء انفجار مرفأ بيروت المشؤوم ليعمق من أزمة القطاع. فقد بلغ عدد السيارات المتضررة جراء الانفجار 350 سيارة، تُقدّر قيمتها بـ5 ملايين دولار تقريباً. وإذ تحدث كلّ من السيدين قزي وفرنسيس عن لجوء النقابتين إلى الهيئة العليا للإغاثة كما إلى لجنة مسح وتخمين الأضرار التابعة للجيش اللبناني، إلا أنه، وحتى الساعة، ما من مجيب بالرغم من الوعود بالتعويض على أصحاب السيارات المتضررة. ثم، هل لمرفأ بحجم مرفأ بيروت ومحوريته ألا يعتمد بوالص تأمين على البضائع المخزنة داخله؟ سؤال إضافي يوضع برسم المسؤولين.
علاوة على ذلك، ليس من المبالغة في شيء التخوف من أن يشكل ارتفاع أسعار المحروقات المتفلت من أي ضوابط رصاصة الرحمة التي تُطلق على القطاع برمته، مسجلاً تراجعاً بنسبة المبيعات تقارب الـ70%. هنا يلفت صاحب معرض الأرناؤوط في صيدا إلى ظاهرة قيام الكثيرين باستبدال السيارات ذات الدفع الرباعي والاستهلاك المرتفع للوقود بسيارات أصغر حجماً، وبالتالي أقل استهلاكاً له، لا يتخطى سعرها 7 أو 8 آلاف دولار أميركي.
من ناحيتها، تشدد السيدة رين عبيد، صاحبة معرض عبيد للسيارات في الضبية على ما سبق ملقية الضوء في الوقت عينه على معاناة إضافية تتمثل بمراكز المعاينة الميكانيكية كما في مصالح تسجيل السيارات. فقد اتخذت هذه الأخيرة قراراً بفتح أبوابها مرة في الأسبوع – هذا في حال توفر التيار الكهربائي أصلاً – ما أدى ويؤدي إلى تراكم معاملات البيع وتأخير إنجازها. يقول السيد قزي في هذا السياق، معرباً عن امتعاضه من التقصير في أداء مؤسسات الدولة المعنية: «أسبوع ورا أسبوع، والشاري ناطر، والسيارة علقانة».
توجه نحو الأسواق الخارجية وأهلاً بالسيارات الكهربائية
على الرغم من الأزمات المتلاحقة، إلا أن قطاع السيارات المستوردة لا يزال يحقق أحد أعلى ايرادات الاستيراد عبر مرفأ بيروت. وبغية إنقاذ ما تيسر، كان لا بد لأصحاب المعارض من إيجاد حلول بديلة تُخفف، ولو جزئياً، من حجم الخسائر التي يتكبدونها يومياً.
والحال أن المعارض التي ما زالت تصارع للاستمرار بدأت تتجه إلى الأسواق العربية، الأفريقية وحتى الأوروبية منها. وهو اتجاه من حيث المبدأ نحو دول تقوم حكوماتها بتوفير ما عجزت الحكومة اللبنانية عن تأمينه. ثمة من يعمل على الاستيراد مباشرة من المصادر إلى دول خارجية أخرى، كما من سيعيد تصدير السيارات «النائمة» في المعارض لغرض بيعها خارجياً. الكلفة هنا باهظة لا شك وعلى رأسها تبعات عملية إعادة الشحن. لكن بين الحلين السيئ والأسوأ، لا بد من اختيار الأقل سوءاً.
السيارات الكهربائية
كذلك، شرع بعض أصحاب المعارض، ومن بينهم السيد فرنسيس، باللجوء إلى استيراد سيارات كهربائية في محاولة للتصدي لأزمة المحروقات المستفحلة والتي لا حلول لها في الأفق المنظور، على ما يبدو. أما الأسعار، فتتراوح بين 8000 و50000 دولار أميركي بما قد يكون في متناول شرائح مختلفة من المجتمع لمن استطاع إلى ذلك سبيلاً.
ويبقى السؤال الملحّ في المحصلة حول مستقبل هذه القطاع الحيوي. الإجابة تأتي مشتركة من قبل من تحدثنا اليهم ومفادها عدم وضوح المشهد وتعذر المعالجات الجذرية، في ظل دولة لا تعني لها مآسي مواطنيها ومعاناتهم الشيء الكثير.
هي ليست بالأزمة المستجدّة… فمعاناة قطاع السيارات في لبنان بدأت تتوالى فصولاً منذ العام 2011 بسبب تردي الأوضاع داخلياً وفي الجوار على الصعيدين الأمني والسياسي، مع ما نتج عن ذلك من ترددات اقتصادية-اجتماعية. وفي ظل تجدد الفراغ الحكومي المتمادي الذي شهده لبنان توازياً وما نتج عنه من توترات على أكثر من صعيد ومن تدهور في أداء القطاعات الاقتصادية على حدّ سواء، أخذت عملية استيراد السيارات إلى لبنان بالتباطؤ شيئاً فشيئاً.