هل يخرج مخاض السباق إلى بعبدا باتفاق الأطراف الداخلية على رئيس للجمهورية من خارج نادي القادة الأربعة الذين يدّعون أنهم الأكثر تمثيلاً على الساحة المسيحية؟
هذا الكلام انتشر بسرعة البرق في الساحة السياسية وفي الساحة المسيحية واللبنانية بصورة عامة بعد التصريج الذي أدلى به مرشّح تيار المستقبل نائب زغرتا سليمان فرنجية في أعقاب اجتماعه مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي لا يُخفي قلقه على هذا الموقع المسيحي الأول، ويبذل قصارى جهده مع كل القيادات والقوى السياسية المعنية في هذا الجانب، وفي ذاك، لإنجاز هذا الاستحقاق، وملء الشغور في رئاسة الجمهورية قبل أن يعتاد اللبنانيون على عدم وجود رأس للدولة يحافظ على المؤسسات الدستورية، وعلى انتظامها وتفعيلها بعدما ثبت أن غياب الرئيس أصاب كل المؤسسات من مجلس النواب إلى الحكومة إلى السلطة القضائية بشبه شلل تام.
المرشح لرئاسة الجمهورية من قبل أكبر كتلة نيابية هي كتلة المستقبل التي يتزعمها الرئيس سعد الحريري ويقود حرباً سياسية ضرورس للإسراع في سد الفراغ في الرئاسة الأولى حرصاً منه على بقاء الدولة الديمقراطية، وعلى الوجود المسيحي في لبنان وعبره في الشرق الأوسط الكبير أعلن لأول مرّة بعد لقاء الرئيس برّي أنه لن يقف أمام أي شخص يحظى بإجماع وطني، وهذا الكلام يؤشر بوضوح تام إلى أن زعيم تيّار المردة أدرك أن حظوظه في الوصول إلى بعبدا بدعم من حلفائه الكثر أصبح شبه معدوم، وهو بالتالي لن يكون حجر عثرة في الدرب الرئاسي في حال تمّ التوافق على مرشّح من خارج نادي القادة المسيحيين الأربعة الذين حصروا في الأساس الرئاسة الأولى بهم من دون سواهم من القيادات المسيحية الكثيرة التي لا تنقصها المواصفات المطلوبة لبنانياً لرئيس الجمهورية، وإلى أن رئيس تيّار المردة لم يعد متمسّكاً بالإستمرار في الترشح لهذا المنصب المسيحي الرفيع، ولم يعد إيضاً متمسّك بحصر الرئاسة بالقادة الأربعة المعروفة أسماءهم وهم ميشال عون وسمير جعجع وأمين الجميّل وسليمان فرنجية، وأصبح بعد تصريحه الباب الذي كان مقفلاً مفتوحاً أمام كل القيادات المسيحية الأخرى ومن بينهم قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي يتردّد إسمه وترتفع حظوظه بقوة بين القوى السياسية المؤثّرة في الانتخابات الرئاسية إضافة إلى أسماء أخرى تتردّد أسماؤها في الوسط السياسي وهي معروفة بكفاءاتها لإدارة هذا الملف أمثال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وسفير لبنان لدى الفاتيكان جورج خوري، والوزير السابق جان عبيد وغيرهم وغيرهم كُثر ممن يتمتعون بالمواصفات المطلوبة لاحتلال هذا الموقع الأول بالنسبة إلى المسيحيين اللبنانيين وإلى الدول التي تراقب عن كثب ما يحدث في لبنان بشأن الملف الرئاسي، وسعيها من أجل قلب الصفحة الراهنة وانتخاب رئيس للجمهورية يُعيد انتخابه انتظام المؤسسات المشلولة من مجلس النواب إلى رئاسة الحكومة إلى باقي المؤسسات الدستورية، ويدخل لبنان بعدها في النفق المظلم الذي أوله الفوضى وآخره انهيار الدولة وتفككها إلى دويلات وقطاعات يسيطر عليها ما يسمونهم أمراء الحرب أو أمراء النظام الفاسد.
إذاً، إن انسحاب الوزير فرنجية هو لمن يحظى بالإجماع الوطني، لكن مثل هذا الإجماع يبدو حتى الآن متعذراً بسبب الانقسام العمودي القائم بين قوى 14 آذار وحزب الله الذي لا يزال متمسكاً بترشيح العماد عون، إلا أنه لا ينزل إلى المجلس لانتخابه وفق ما يطالبه به زعيم تيّار المستقبل وزعماء قوى 14 آذار الباقين، ما يعني بوضوح تام أنه لا يريد إيصال عون إلى رئاسة الجمهورية وبالتالي لا يريد لهذا الاستحقاق أن يستكمل لأن وجود رئيس للجمهورية يتنافى مع مشرع أسياده في طهران الذين ما زالوا يتخذون من هذا الاستحقاق ورقة ضغط يمارسونها على دول العالم التي ثبت حتى الآن أنها ما زالت حريصة على وحدة هذا البلد وعلى نظامه القائم وعلى وحدة العيش المشترك من ضمن التعددية التي ما زالت الوحيدة في هذه المنطقة التي تتخبّط أيضاً بالأزمات. ويبقى السؤال هل ما زال ممكناً إيجاد رئيس من خارج القادة الأربعة يحظى بالإجماع أم أن مثل هذا الأمر بات من المستحيلات؟