لم يكن القرار الدولي رقم 2254 الذي صدر عن مجلس الأمن الاسبوع الماضي مفاجئاً أو مثيراً قط، فقد كانت جميع التوقعات لدى المراقبين والأوساط الدولية تشير الى هذا الاتجاه. ولم يكن مفاجئاً كذلك الاجماع الذي رافقه وبالاخص لدى الدول الخمسة الدائمة العضوية والتي تملك حق النقض (الفيتو). فسلة الملفات التي على ما يبدو قد جرى الاتفاق عليها بين الأميركيين والروس كانت من قبل ذلك بوقت قصير قد بدأت تفرج عن بعض الملفات العالقة بين الطرفين وبالاخص تلك التي بالامكان وصفها بالقول انها اقل سخونة او تعقيداً من الملف السوري. فالملف اللبناني ليس بهذه الخطورة التي لطالما ظنها الكثيرون وذلك بالتحديد عندما كان سائداً الاعتقال القائل ان حله لا يمكن مقاربته الا بعد حل الازمة السورية، ذلك ان التوافق الاميركي الروسي حول سلة الملفات قد عمد الى فصل الملف اللبناني عن نظيره السوري بنصح المعنيين تجاوز مشكلة سلاح حزب الله بل حتى اثارة مسألة تورط ذلك الحزب في الصراع الدموي المستمر في سوريا. ذلك ان مشكلة سلاح ذلك الحزب ظلت على الدوام مصدر قلق وتوتر شديد في الساحة اللبنانية، خصوصاً وأن هذه المشكلة كاتن على رأس الأولويات بل مطلباً رئيسياً بالنسبة لقوى 14 آذار عندنا. فما دام الطرفان الاقليميان المتنازعان، وهما السعودية وإيران، يجريان محادثات حيوية في عُمان تتناول الملفات العالقة بينهما اصبح من الآن فصاعداً بوسع الاميركيين والروس المضي قدماً في ترتيب ملفات السلة العتيدة واخراجها الواحد تلو الآخر دون صخب اعلامي. فالسياسة الاميركية في الشرق الاوسط وهي الحريصة على أمن إسرائيل وتأمين مصادر النفط في الخليج والعراق قد استغرقت وقتاً طويلاً للوصول الى حل للملف النووي الايراني وبالتالي لازالة العقوبات الاقتصادية المفروضة دولياً على طهران، لأن سياسة الإدارة الأميركية في ولايتي الرئيس اوباما ظلت باستمرار تحرص على مراعاة مصالح ايران في المنطقة. فهي التي سلمت بالامر الواقع ان لطهران نفوذاً كبيراً في الشرق الاوسط ابتداء بالعراق وانتهاء بلبنان وان علاقاتها بالنظام الأسدي يجدر بواشنطن تفهمها، وان حزب الله وسلاحه جزء من هذه المنظومة الايرانية. الا ان هذا النفوذ له حدود يجب على الجمهورية الاسلامية عدم تخطيها، فلا أمن اسرائيل ولا البترول العربي مسموح قط التعرض لهما بمخاطر جدية. اضف الى ذلك الطريق الاستراتيجية المؤدية الى هاتين المنطقتين وهي مضيق هرمز وباب المندب وخليج العقبة وقناة السويس.
وموسكو تدرك ذلك تماماً، حتى ولو اغدقت على طهران السلاح والتقنيات النووية المسموح بها. لا بل عندما ادركت روسيا الى اي حد من المهادنة والتخاذل وصلت اليه سياسة الرئيس اوباما حيال طهران ودمشق، عمدت الى التدخل العسكري المباشر في سوريا بذريعة مكافحة ارهاب «داعش»، ذلك الارهاب الذي لم يكن ليهدد أمن روسيا مباشرة.
الشروع ببدء المفاوضات في جنيف بين طرفي النزاع اليمني، حتى ولو كان ذلك يجري في ظل وقف اطلاق نار متقطع، واستنكاف حوثي بين الحين والآخر عن حضور بعض الجلسات، اصبحت الطريق سالكة لصدور اقرار 2254 حول الأزمة السورية. فقد تم التمهيد للقرار من خلال لقاءين دوليين عقدا في «فيينا»، كان الثاني أقل اهمية وإن كان لافتاً فيه حضور ايران التي اكدت اصرارها على اعتبار الأسد جزءاً من الحل.
البندان الرئيسان الذي يشتمل عليهما القرار 2254 الداعي الى عقد مفاوضات مباشرة في جنيف3 في مطلع عام 2016 بين النظام السوري والمعارضة. هما بحق يثيران التساؤلات الجدية لدرجة ان بعض المراقبين قد بدأوا منذ الآن يشككون في الامكانية العملية في تطبيقهما: الأول وقف اطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية لمدة 6 اشهر. والثاني: اجراء انتخابات رئاسية بإشراف الأمم المتحدة بعد 18 شهراً، أي بعد انتهاء ولاية الرئيس اوباما في تشرين الثاني (نوفمبر) 2016.
لقد أحصت السلطات الاردنية تمهيداً لمؤتمر المعارضة السورية في الرياض ما يناهز 160 فصيلاً ومجموعة ارهابية في سوريا، هذا ما عدا الحرس الثوري الايراني والميليشيات التي تقاتل تبعاً للأجندة الايرانية. فإذا أضفنا الفصائل الكردية المسلحة المحابة هناك، فأي وقف مزعوم لاطلاق النار بالإمكان تطبيقه واحترامه؟ اننا نطمح كي تصل فصائل المعارضة المعتدلة كي تشكل ما يشبه جبهة تحرير وطني سورية بقيادة واحدة وبرنامج مرحلي واحد بل وفداً موحداً لمواجهة ممثلي النظام الأسدي في جنيف3، وبالامكان التعويل على انتظام هؤلاء ضمن توجيهات قيادتهم الموحدة هذه. لكن ماذا عن الباقين؟.. بل ماذا عن «داعش» و»النصرة» فهؤلاء سوف يستمرون في اطلاق النار تماماً كما سيستمر بشار الأسد في السعي لتقويض جنيف3 فقد بدأت أوساط نظامه بالحديث عن تمثيل ما يسميه «معارضة الداخل» في صفوف مندوبيه الى المؤتمر من اجل اثارة اللغط حول ورقة العمل الموحدة للمعارضة الجدّية.
حول مصير الأسد يحتدم السجال مجدداً، فظهران قد بدأت لتوها باطلاق التصريحات حول رفضها المسبق لتنحيه في الوقت الذي لم يصدر عن موسكو موقف نهائي محسوم بشأن هذه المسألة. وبالمقابل قد بدأت أصوات مسموعة تتعالى في صفوف المعارضة حول رفضها المسبق الدخول في مفاوضات مع مَن تعتبره مسؤولاً عن مآسي سوريا، إلا أنها في نهاية الأمر سوف تجد نفسها مكرهة لمفاوضته، للوصول الى تسوية سياسية.
أما فيما يتعلق بالانتخابات في سوريا بعد مضي 18 شهراً، وباشراف دولي فأي عاقل يصدق ان انتخابات رئاسية أو تشريعية بالامكان اجراؤها في سوريا في ظل هذا الجحيم الجنوني من مئات الفصائل والميليشيات والمجموعات والزمر المسلحة من كل صنف ولون التي اقتطع كل منها رقعة من سوريا ليفرض فيها نمطاً من الحكم المناسب له؟ ان في تلك الدعوة مستحيلاً تاريخياً غير قابل للتطبيق.
أغلب الظن يقودنا الى الاعتقاد ان مفاوضات جنيف3 سوف تكون شاقة وطويلة ومعرضة سلفاً للفشل، وسوف تعقبها جولات ا خرى من القتال، للعودة مجدداً الى المفاوضات وذلك على ايقاع الحرب المستمرة ضد الارهاب.
لقد صدر القرار 2254 بالصيغة الروسية وهو يختزن ما فيه الكفاية من المستحيلات.