التسليم باستحالة إنتخاب الرئيس قريباً ساهم في عودة النبض إلى عروق الحكومة
عدم الإلتزام الدولي بما تقرّر للبنان بشأن النازحين يطرح علامات إستفهام حول مصيرهم
التفاهم على قانون للإنتخابات مُستبعد.. وإجراء الإنتخابات البلدية غير محسوم..
في الوقت الذي عاد فيه النبض إلى عروق الحكومة التي «شمّرت» عن ساعديها بعد عطلة استمرت عدّة أشهر تلاها جلسات لمجلس الوزراء بالتقسيط، وبدأت بإخراج ما في أدراج أمانتها العامة من مشاريع قوانين هي في منأى عن الخلافات السياسية من أجل درسها وإقرارها، علّها في ذلك تملأ الفراغ والشلل الذي يضرب المؤسسات طولاً وعرضاً بفعل الشغور المستوطن في قصر بعبدا، فإن كل المعطيات لا تُوحي بأن جلسة إنتخاب الرئيس المقررة في الثامن من هذا الشهر ستكون حاسمة، لا بل إن ما طرأ من تحالفات وتعديلات في الخارطة السياسية لم يُساهم على الإطلاق في فكفكة العُقد التي تعترض سبيل ولوج هذا الاستحقاق بل زادته تعقيداً.
ويبدو أن النخوة الحكومية التي ظهرت مؤخراً والتي وصلت إلى حدّ تحديد جلستين لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل تأتي ترجمة للنصائح الخارجية للمسؤولين اللبنانيين بضرورة التعايش مع الواقع الرئاسي الحالي والإنصراف في تأمين الحد الأدنى من الاستقرار الأمني والاجتماعي إلى حين أن تصبح الظروف ملائمة لانتخاب رئيس، على اعتبار أن استمرار الشلل الحاصل ستكون أثمانه باهظة في ظل ما يجري في المنطقة، ومع استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية.
وفي رأي مصادر سياسية متابعة أن المتغيّرات التي طرأت في الآونة الأخيرة على المشهد السياسي الداخلي لم تصل إلى حدّ يمكن معها القول أننا اقتربنا من إنجاز الاستحقاق الرئاسي، أو أن ما جرى يشكّل قوّة دفع في هذا الاتجاه، وقد كشفت الطريقة التي تعاملت بها القوى السياسية مع ما استجدّ من تحالفات أن الأوان لم يحن بعد للتعامل مع الاستحقاق الرئاسي بشكل جدّي، وأكثر من ذلك أظهر بأن المعطى الداخلي حول هذا الأمر ما يزال ضعيفاً وغير قادر على أخذ القرار بمعزل عن العامل الإقليمي والدولي، وهو ما يعني بشكل واضح بأن أمد الشغور وبالرغم مما قيل ويُقال سيمتد لأسابيع إضافية، بانتظار ما سيتبلور عن المفاوضات العلنية والسرّية الجارية على قدم وساق لإعادة ترتيب «بازل» المنطقة من جديد، حيث أن ما من شك بأن أي مفاوضات ستجري ستنتهي من دون حصول متغيّرات أساسية على المستوى الجيوسياسي في البلدان التي تشهد الأزمات، وهذا من شأنه أن يجعل دول القرار التمهّل في اتخاذ القرارات بشأن بعض الاستحقاقات في المنطقة ومنها إنتخاب الرئيس في لبنان، وهذا الأمر وصل إلى مسامع المسؤولين اللبنانيين الذين يُدركون بأن لبننة الاستحقاق الرئاسي في هذه الظروف من سابع المستحيلات وأن العمل يجب أن ينصبّ على القيام بالأعمال التي تخفّف قدر الإمكان من الخسائر على لبنان.
وتؤكد المصادر أن أي موفد عربي أو أجنبي قد زار لبنان طيلة المدة الفاصلة منذ أن غادر الرئيس ميشال سليمان قصر بعبدا إلى الآن لم يحمل معه أي مبادرة جدّية للتفاهم على انتخاب الرئيس، وأنه دائما كانت تقتصر هذه الزيارات على استمزاج الرأي والاستطلاع، وهذا يعكس بأن الدول المعنيّة ليست على عجلة من أمرها لملء الشغور في لبنان، بل إن جلّ ما تريد هو الحفاظ على الاستقرار الأمني ليس من باب الخوف على لبنان، بقدر ما أن ذلك يؤمّن لها المصلحة المتوخاة من الهدوء في لبنان للتفرّغ إلى ما يجري في المنطقة واستخدامه في بعض المحطات لهذه الغاية، وأن موضوع النازحين السوريين إلى لبنان هو في صلب هذا الاستخدام.
وتكشف هذه المصادر أن مبعوثين دوليين يزورون لبنان وأن كل كلامهم مع المسؤولين اللبنانيين يتركز على الإطار الذي يمكن من خلاله مساعدة النازحين لناحية العمل والتعليم والسكن في لبنان من دون المجيء على ذكر عودة هؤلاء إلى بلدهم، وهو ما يبعث على الخوف من أن يكون هناك مخطط دولي لتشريع هذا الوجود في لبنان بغضّ النظر عن الأعباء المالية والمخاطر الأمنية المتأتية عن هذا الوجود، مشيرة إلى أن كل الوعود التي أُطلقت في خلال المؤتمرات الدولية التي انعقدت للبحث في كيفية مساعدة الدول التي استقبلت النازحين وفي مقدّمها لبنان قد ذهبت أدراج الرياح، حيث لم يصل من هذه المساعدات إلا مبالغ ضئيلة مقابل الوعود الكثيرة.
وفي رأي المصادر أن التعامل الدولي على هذا الشكل مع ملف النازحين يدلّ بوضوح على أن غاية بعض الدول التي تملك سلطة القرار في المنطقة ترغب بأن يبقى لبنان على وضعه الحالي، إلى حين ترتيب الوضع في سوريا، وهو ما يُؤكّد بأن خيار تعليق الاستحقاق الرئاسي على حبل الأزمة السورية لم يتم التراجع عنه بعد، وهذا ما يؤخّر التفاهم على انتخاب رئيس.
وتوقعت المصادر أن يتراجع الحديث عن الاستحقاق الرئاسي بعد جلسة الثامن من شباط في حال لم يطرأ جديد فوق العادة والتطورات، لصالح الكلام عن قانون الإنتخاب، والإنتخابات البلدية حيث سيكون هذان الملفان مادة للجدل والتجاذب، فعلى مستوى الاستحقاق الأول لا بوادر عن إمكانية نجاح اللجنة المكلّفة إعداد قانون جديد، وعلى مستوى الاستحقاق الثاني فإن الصورة غير واضحة بعد لدى كل الأطراف، وإن كانت المواقف المعلنة منحازة لصالح إجراء هذه الانتخابات، معتبرة أنه من المبكر حسم الاتجاه وإن كان مجلس الوزراء قد أقرّ الموازنة المطلوبة لتغطية إجراء هذه الإنتخابات.