IMLebanon

من سيتلو ورقة نعي «الحوار المستحيل»؟

لا يخيّل لعاقل أنّ اجازة عيد الفطر التي اقترحها رئيس الحكومة تمام سلام لإصلاح ما كُسر بين حلفائه «الزرق» من جهة، وشركائهم في المائدة الحكومية، العونيين من جهة أخرى.. قد تمهد لاجتراح معجزة تعيد مياه الحوار العابر للاصطفافات الى مجاريها.

يقرّ الجميع بوجود أزمة متعددة الجوانب: أزمة حكم تعطل الحكومة وتجعلها اسيرة التجاذبات الصعبة والتفاهمات المستحيلة، وأزمة نظام تحول دون الخروج من مستنقع الشغور والشلل بسبب نظام الفيتوات المتبادلة، وأزمة خيارات تبعد بين اللبنانيين وتجعل من لغة الحوار مهدئاً موضعياً وليس علاجاً جذرياً.

ولهذا، فإنّ فسحة الإيجابية التي تركها سعد الحريري في خطابه الرمضاني، مبتعداً عن لغة القطع والوصل، مستعيناً ببعض مساحيق التجميل لـ «ترقيع» ما جنته يداه، لن تنجح في احياء علاقة، يقرّ الفريقان أنها انتقلت الى دنيا الحق، وتنتظر من يصلي على روحها.

ومع ذلك، لم تكن مقاربتا «الرفيقَيْن» نهاد المشنوق واشرف ريفي من ميشال عون، سوى شاهد اضافي على أنّ الرجلين لا يمكن لهما أن يكونا وجهين لعملة واحدة، لا بل يصعب عليهما أن يلتقيا على مدار وسطي تتقاطع عنده مواقفهما من القضايا المشتركة. أحدهما اختار لغة الحوار العقلاني لخطابه، وآخر فضّل القصف العشوائي لشدّ عصب من حوله.

هكذا، سبح وزير العدل عكس وزير الداخلية، متقصداً أن يقول ما تجنب حتى سعد الحريري البوح به، ليس خشية من ردة الفعل وانما حفاظاً على خيط قطن رفيع مع جنرال الرابية.

ريفي قال بوضوح إنّ ميشال عون لن يكون يوماً رئيساً على اللبنانيين، قاطعاً الشك باليقين في ما لو لا تزال بعض الظنون راسخة في العقول، بينما دعا المشنوق الى منطقة وسطى تحمي البلاد مع قوى الاعتدال، تاركاً اليد ممدودة باتجاه الرابية.

أما زعيم «المستقبل» فقد حاول رسم السقف، مفترضاً أنه لا يمكن لقيادييه تخطيه. ولكن هو عملياً، لم يقدم على أي خطوة الى الأمام، لا يزال واقفاً في مكانه مستظلاً خيمة «اللا قرار». في المقابل، فإنّ الجنرال قصّ شريط العلاقة، ليس من باب تدشينها، وانما تمهيداً لكتابة ورقة نعيها، بعدما أعلن بوضوح أنّ الحوار مع «المستقبل» لم يوصل الى نتيجة.

صار الرجل متأكداً أنّ شهر العسل مع الـ «نيو عشاق» انتهى الى طلاق مبكر، وليس الى تفاهم عقلاني بين الفريقين. على الأجندة البرتقالية ثمة هدفان لا تراجع عنهما، رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش. وفي المسألتين بدا الحريري في حالة الدفاع عن النفس لتقديم مبررات الرفض، من دون أن يصيغ دفاعه بتعابير واضحة.

ولذلك هو استدعى في خطابه المطول كل الحيثيات السياسية التي تحميه من لعنة «البرتقاليين»، ورجمهم السياسي الذي راحت بشائره تطل عبر المنبر المرئي وفي مصطلحاتهم.

كل ما فعله هو تقديم خطاب استيعابي، يهدف بالدرجة الأولى الى تطويق بقعة زيت الاستنفار المسيحي التي بدأت بالانفلاش نتيجة نزول «التيار الوطني الحر» على الأرض واللجوء الى الشارع، وذلك خوفاً من تعويمه أمام خصومه من مسيحيي «14 آذار».

ولكن هذا بالنتيجة، لن يقدم أو يؤخر في حسابات ميشال عون، الذي سمع كلاماً معسولاً لا بل وعوداً أكثر وضوحاً وجدية، لكن بقيت من دون ترجمة. ولهذا فإنّ «الريق الحلو» الذي حاول «الشيخ» تغليف خطابه الرمضاني بواسطته، لن يصرف في الرابية، لا سيما أنّه لم يرفــق بأي اتصــال جــديّ قبله أو بعده.

ولهذا يمكن القول إنّ ما أدلى به الرجل من على منبر الإفطار يصنف بالحيادي، لا هو مبادرة ايجابية يمكن استكمالها من الجانب الآخر، ولا هو موقف سلبي يمكن الردّ عليه بالمثل. مع أنّ القناعة صارت راسخة في الرابية: سعد الحريري يثبت يوماً بعد يوم عجزه عن اقناع السعوديين بما يجول في رأسه، وفي إلزام فريقه الداخلي بما يفكر به أو يطمح له.