تمر هذه الايّام الذكرى العاشرة على الحرب، التي افتعلها «حزب الله» في الثاني عشر من تمّوز 2006 من أجل تمكين إسرائيل من تدمير جزء من البنية التحتية اللبنانية والتغطية في الوقت ذاته على عملية وضع اليد الايرانية على البلد بشكل تدريجي. الى الآن، لا يزال الحزب يعتبر انّه حقّق «انتصاراً إلهياً« على إسرائيل في حرب انتهت عمليا بانتصاره على لبنان واللبنانيين.
يكفي للتأكّد من هذا الانتصار الذي حقّقه «حزب الله» على لبنان الوضع الاقتصادي المتدهور في البلد من جهة، وغياب رئيس الجمهورية من جهة أخرى. يحصل ذلك في وقت يظهر يوميا ان المطلوب تغيير النظام في لبنان والانتهاء من اتفاق الطائف الذي في أساسه المناصفة بين المسيحيين والمسلمين.
كانت «حرب تموز» نقطة تحول على الصعيد اللبناني. أثبتت الحرب أن الأمر لا يتعلق بمعركة واحدة يصدّ فيها اللبنانيون عدوهم، كما حدث عندما اخرجوا القوّات السورية من لبنان اثر تظاهرة الرابع عشر من آذار 2005. الحرب على البلد مستمرّة. ستظلّ هناك معارك يتوجب على لبنان واللبنانيين خوضها في ظل الإصرار الايراني على وضع بيروت تحت الوصاية التامة لطهران، تماما كما حال بغداد ودمشق حاليا وكما كاد ان يكون وضع صنعاء لولا «عاصفة الحزم».
لم يكن كافيا التخلّص من رفيق الحريري، بتفجير موكبه، في الرابع عشر من شباط 2005، كي يستسلم لبنان نهائيا ويرضخ للأمر الواقع.
بعد «ثورة الأرز»، التي لم يكن يتوقّعها منفذو جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه والمشاركون فيها من قريب او بعيد، كان لا بدّ من حروب أخرى على لبنان وعلى اللبنانيين كي يقتنعوا بانّ ليس من حقهم رفع رؤوسهم. عليهم ان يكونوا مثل الذين يؤمنون بشعارات لا علاقة لها بالواقع من نوع شعار «الشعب والجيش والمقاومة» او «المقاومة والممانعة». ممنوع على اللبناني أن يطرح أسئلة مهما كانت بسيطة وبديهية، بما في ذلك سؤال يمكن أن يطرحه أب أو أم عن سبب موت شاب لبناني شيعي في سوريا دفاعا عن نظام بشّار الأسد الذي تشارك ابنته في مباريات في الفروسية تقام في طهران!
لم يكن ردّ فعل «حزب الله» بعد «حرب تمّوز» مستغربا. نسي الحزب فجأة من وقف مع لبنان وساعد في إعادة بناء ما تهدم. نسي الدور السعودي عن سابق تصوّر وتصميم. نسي الظروف التي أدت الى وقف الحرب وصدور القرار 1701 والجهود التي بذلتها الحكومة اللبنانية برئاسة فؤاد السنيورة. نسي ان اعلان انتصاره في تلك الحرب لم يكن سوى رفع لعلامة النصر فوق ما اعتبر انّه جثة اسمها لبنان. نسي أن الانتصار على لبنان شيء وأن الانتصار على اسرائيل شيء آخر… ولكن هل كان هناك من هدف آخر لدى الحزب سوى الانتصار على لبنان؟
الأكيد ان اسرائيل لم تكن تمانع في رفع الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله علامة النصر على الجثة اللبنانية، ما دامت حققت في نهاية المطاف جزءا من أهدافها وذلك بصدور القرار الرقم 1701 عن مجلس الامن التابع للأمم المتحدة. يستجيب هذا القرار لبعض مطالبها، خصوصا انهّا لم تكن تمانع في الماضي الوجود المسلّح غير الشرعي في جنوب لبنان… على حساب الجيش اللبناني. لم تكن تمانع في ذلك بغض النظر عن طبيعة هذا السلاح، أكان فلسطينيا او إيرانيا موجودا في ايد لبنانية. لكنّ استخدام «حزب الله» الصواريخ التي استهدفت «حيفا وما بعد حيفا» جعل اسرائيل تعيد النظر في حساباتها القائمة على إبقاء جبهة الجنوب اللبناني جرحا ينزف، كما يريد النظامان في سوريا وايران لمتابعة المتاجرة بلبنان واللبنانيين.
منذ انتصاره على لبنان في حرب صيف 2006، أمعن «حزب الله» في اذلال اللبنانيين بكلّ الوسائل المتاحة، بدءا بالاعتصام الطويل في وسط بيروت لضرب الحياة الاقتصادية في البلد وتهجير اكبر عدد ممكن من شبابه وصولا الى الوضع الراهن، مرورا بالطبع بغزوة بيروت والجبل في ايّار 2008. لا تعبّر عن الوضع الراهن ازمة اقتصادية لم يعرف البلد مثيلا لها في الماضي فحسب، بل هناك فراغ رئاسي وعزلة عربية للبنان أيضا. هناك حرب أخرى تستهدف اخراج لبنان من محيطه العربي.
بدلاً من أن يكون لبنان في وضع البلد المزدهر بفضل تدفق العرب والاجانب على مرافقه السياحية، حرص «حزب الله» ومن خلفه ايران على منع أي عربي، خصوصا اذا كان خليجيا من السياحة في البلد او الاستثمار فيه. اكثر من ذلك، يصرّ الحزب على خوض معارك في سوريا والمشاركة في الحرب التي يشنّها النظام العلوي على السوريين تحت غطاء روسي ـ إسرائيلي.
تأتي الذكرى العاشرة لـ»حرب تمّوز» في وقت تغيّرت المنطقة كلّيا. سوريا التي عرفناها لم تعد موجودة، كذلك العراق، في حين طبّعت تركيا علاقاتها بكلّ من إسرائيل وروسيا، فيما صارت قضية فلسطين شبه منسيّة. ما لم يتغيّر هو الحرب المستمرّة على لبنان التي تُشن من طهران.
يبقى ان افقار اللبنانيين وتهجيرهم، كما يحصل الآن، تابع لـ»حرب تموز» التي هي بدورها تابع لاغتيال رفيق الحريري وللجرائم التي تلت والتي استهدفت تغطية تلك الجريمة. الى متى يبقى لبنان «ساحة» لمشروع توسعي لا علاقة له به من قريب او بعيد وضحيّة لهذا المشروع الذي لا أفق له سوى تدمير الدول والمجتمعات العربية ولا شيء آخر غير ذلك؟