تشهد منطقة الشرق الاوسط حراكا ديبلوماسيا لافتا، دوليا طرفاه الولايات المتحدة – روسيا، واقليميا مسرحه يمتد من الرياض الى طهران فأنقرة، وهو انطلق في اعقاب انجاز الاتفاق على الملف النووي بين إيران والغرب. لكن غموض مضمون اللقاءات شرّع الباب واسعا امام التكهنات عن مآل التوازنات الاقليمية، خصوصا مع الانفتاح الإيراني المستجد الذي لن يكتسب دلالة فعلية قبل ان ينتقل من حيّز التصريحات الى حيّز الميدان العملي، وأوله في سوريا واليمن.
فمن لقاءات الدوحة مطلع الاسبوع بين وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والسعودية جون كيري وسيرغي لافروف وعادل الجبير، الى لقاءات طهران بين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ونظيره الإيراني حسين امير عبد اللهيان ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، الى زيارة ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الاردن، الى جولات كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف على بعض دول المنطقة. تضاف الى كل ذلك جملة مستجدات: تركية تمثلت بفتح قاعدة انجرليك امام المقاتلات الأميركية التي تلاحق عناصر «داعش» والتوافق مع الأميركيين على منطقة حدودية آمنة، الى جانب تعهد أميركي بغطاء جوي لحماية مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة.
فرغم ان الاتفاق النووي، اذا لم ينجح الكونغرس في عرقلته، لن يدخل حيز التنفيذ قبل تشرين الاول، بادر المسؤولون الإيرانيون الى شن حملة انفتاح على دول الجوار. فقد اعلن اللهيان عن «فرصة مناسبة لتعزيز العلاقات مع دول الجوار وتعميق التعاون في مختلف الملفات للخروج من الازمات»، وكان ظريف قد سبقه بقوله «الجار قبل الدار».
ويلفت ديبلوماسي عربي عامل في بيروت الى ان «الاتفاق النووي سمح بتقدم الديبلوماسية الإيرانية. فخلال الانشغال بالمفاوضات مع الدول الست احتل قائد الحرس الثوري قاسم سليماني واجهة الاحداث خصوصا في العراق وسوريا، ثم تقدم عليه محمد جواد ظريف«. لكنه سرعان ما يستدرك مشددا على ان «التغيير الحقيقي في الاولويات الإيرانية لا تجسده فعليا التصريحات وانما السلوك الميداني في ساحات الحروب، خصوصاً في سوريا واليمن. فبعد لقاء نظيره الإيراني اعلن وزير الخارجية القطري خالد العطية ان «الحوار البنّاء» يبدأ بعد وقف التدخل«.
ويلفت المصدر الى تزامن الهجمة الديبلوماسية مع الترويج للقاء وليد المعلم مع الامير محمد بن سلمان. ويقول «هذا اللقاء، ان صح حدوثه، فهو بالتأكيد لقاء فاشل لم يؤد الى اية نتيجة بدليل تسريب وسائل الاعلام المقربة من النظام السوري لمحضر اللقاء المزعوم في الرياض والذي اتى بنتيجة جهد روسي«. ويضيف «لو كان ثمة احتمال لأي نتائج ايجابية لما تم التسريب، خصوصا في ظل غياب اي تعليق سعودي حتى الآن».
وكان لافروف قد شدد من الدوحة، وبحضور أميركي، على ان الحل السياسي لسوريا «يحتاج الى مشاركة جميع الاطراف» بما فيها طهران، وهو ما ترفضه دول الخليج وما كانت ترفضه علناً الولايات المتحدة في زمن مفاوضاتها الطويلة مع إيران.
كل ذلك والاولويات لا تزال مختلفة. فمن اولوية مكافحة الارهاب متمثلاً بـ«داعش« واخواته بنظر روسيا وإيران وسوريا، الى اعتبار ان القضاء على هذه التنظيمات يقتضي اولوية التخلص ممن ساهم عملياً في انتاجها مثل بشار الاسد والتدخلات الإيرانية لزعزعة المجتمعات العربية. فالأميركي ورغم الاتفاق النووي وتقاربه مع إيران وروسيا، الداعمين الرئيسيين للأسد، لا يفوت فرصة إلا ويجدد التأكيد على ان الحل لا يستوي مع الاسد. وهذا موقف مماثل لموقف دول الخليج وتركيا التي وصل الامر برئيسها رجب طيب اردوغان للقول بان نظيره الروسي فلاديمير بوتين «لم يعد يشاطر الرأي القائل ان بلاده ستقف الى جانب سوريا حتى النهاية»، ليضيف «اعتقد انه يتجه للتخلي عن الاسد».