أصدق وصف يُقال في مواجهة القاع للإرهاب، هو كلام وزير الداخليّة نهاد المشنوق «جئنا إلى هنا لنستمد القوة من صمود أهالي القاع وشجاعتهم»، تُرفع القبّعة لرجال القاع على شجاعتهم في مواجهة الإرهاب، لم نسمع من قبل عن رجال واجهوا إرهابيين إنتحاريّين إلى حدّ مطاردتهم وإطلاق النار عليهم قبل أن يفجّروا أنفسهم، غالباً ما تفرّ الناس بعيداً عن منطقة التفجير، ولكنّ شباب القاع توجّهوا إلى حيث وقعت التفجيرات الإرهابيّة في لحظة وطنيّة عارمة المشاعر والإيمان بالقدرة على مواجهة الإرهاب المتوحّش وهزيمته، فلهم كلّ التحيّة…
حتى الساعة، يلفّ الغموض مسار الحدث الإرهابي غير المسبوق في العالم، ثمانية إرهابيّين فجّروا أنفسهم من دون هدفٍ واضح، وربّما لو طرحنا أسئلة إفتراضيّة تتيحُ لنا رسم سيناريو مغاير للأحداث الأليمة التي عصفت بالقاع فجر الاثنين وليله قد نفكّ رموز هذا الغموض، ماذا لو لم يكن المواطن شادي مقلّد مستيقظاً، وماذا لو لم يشعر بحركة مريبة في حديقة منزله، وماذا لو لم يشاهد أغراباً عن القرية، وماذا لو لم يدخل في جدلٍ مع واحدٍ منهم، وماذا لو لم يخرج والده ليعرف مع من يتجادل ولده هل كان الإنتحاري الأول ليفجّر نفسه في القاع وهل كان ليتبعه رفاقه، هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابة، تمّ العثور أمس على حقيبة، وأحد شهود العيان روى أنّ أحد الإنتحارييّن كان يحمل على ظهره حقيبة، وهذا يدفعنا إلى الافتراض أنّ هؤلاء الأربعة كانوا في طريقهم إلى مكان آخر غير القاع، وليس سرّاً أنّ هذا النوع من الإرهابييّن يرتدي الحزام الناسف لتفجير نفسه عند الضرورة هرباً من الاعتقال، لا نعرف إلى ماذا ستفضي التحقيقات خصوصاً وأنّ من يمتلكون حقيقة الهدف فجّروا أنفسهم؟!
هذه الافتراضات كلّها، تسمح بفهم هذا «الإرتجال» الإرهابي لما حدث في القاع، ونميل إلى الظنّ بأن شدّة الإرتجال في العمليات التي طاولت القاع بحيث فجّر الإنتحاريّون أنفسهم بطريقة إعتباطيّة بعدما كُشف أمرهم تظهر أنّ القاع لم تكن هدفهم، وأنّ نيتهم استهداف تجمعات بشريّة في مساجد أو حسينيّات خلال إحياء ليلة القدر، ونميل إلى الظنّ بأنّ إلغاء حزب الله لإحياء ليلة القدر في مجمع سيد الشهداء استشعار واستنتاج أنّ هذه التجمعات قد تكون هي المستهدفة، وأن تنبّه القاع وشجاعتها أنقذا لبنان من عمل إرهابيّ أكبر بكثير من قدرة تحمله…
ويجدر بنا هنا طرح سؤال إفتراضي جديد، ما الذي جاء بانتحارييّن أربعة آخرين ليل الإثنين الماضي إلى القاع، ليفجّروا أنفسهم؟ هنا نميل إلى الظنّ بأن فشل رفاقهم الأربعة فجراً في العبور إلى هدفهم، أنّ هؤلاء اضطروا لمغادرة مخبأهم وأنّهم استغلوا انقطاع التيار الكهربائي لكنّهم فوجئوا بالتجمّع أمام كنيسة مار الياس فكان مصيرهم كرفاقهم الإرهابيّين.
إن كان هناك من خلاصة لأحداث يوم الاثنين فهي أنّ القاع على درجة عالية من الوعي والتيقّظ تجاه الإرهاب الذي فشل في استخدامها معبراً لانتحارييّه، وهذا بحدّ ذاته يبعث على الأمل في قدرة لبنان على مواجهة الإرهاب وجهاً لوجه، والخلاصة الثانية أنّ رسالة داعش لإرهابيّيها باستهداف المدنيّين تؤكد أن الخناق الأمني ضيّق جداً على رقبة الإرهاب وجماعاته، كان بالإمكان أن تكون الخسائر أفدح بكثير من شهداء القاع الخمسة، ولكنّ الله سلّم، فالقاع فعلاً لا قولاً افتدت لبنان، ونقضت نهائياً مقولة حزب الله بأنّه موجود في سوريا لمحاربة التكفيرييّن، شباب القاع حاربوهم في القاع ولم يسمحوا لهم بدخولها، وأجبروهم على تفجير أنفسهم كيفما اتفق، هل تنطبق صفة «الإنغماسيّين» على إرهابيّي القاع الثمانية برغم إرتجالهم لنسف أنفسهم، هذا المصطلح «الداعشي» ينطبق عليهم بأمر واحد هذا النوع من العمليات يطلق عليه «المربع صفر» أو»العملية الميتة» أيْ أنّ أول الخيط هو آخره، وبذلك تنتهي العملية عند حدود هذا الشخص، يقاتل «الإنغماسي» أولاً حتى تنفذ ذخيرته، ثم يفجر نفسه بشرط ان لا يقبض عليه وخصوصاً عند عدم تحقيق الهدف المطلوب منه، وهذا ما حدث مع هؤلاء الثمانية من دون أن يتسنّى لهم أن يقاتلوا حتى تنفذ ذخيرتهم، عملياً «القاع البطلة» فاجأت الإرهاب والإرهابييّن…