IMLebanon

2016 عام التغييرات الكبرى

بعيداً من «عنتريات» قادة الحرس الثوري، فإن صوت العقل «الروحاني»، هو الذي يتقدم ويتغلغل في ايران، مع ما يعني ذلك من تغييرات عميقة على كل السياسة الايرانية. لا شك أن الرئيس حسن روحاني حقق «انتصاراً عظيماً« لإيران ، ساعده في ذلك فريق عمل من الدبلوماسيين والخبراء استثنائي كان عليه طوال 30 شهراً مواجهة الاميركيين في فيينا وعمان ونيويورك، والمتشددين والرقابة الرافضة ضمناً للمرشد آية الله علي خامنئي في طهران. 

مشهد الأسرى الاميركيين في الزوارق الحربية للحرس الثوري، بدا مشهدا نافرا ومقلقا في لحظاته الاولى، لكنه سرعان ما كشف عن خط سياسي وإعلامي جديد يعتبر بداية لتغيير يفرض نفسه بسرعة. كثيرون تساءلوا في ايران وفي العالم: ماذا لو وقع هذا الحادث قبل عامين وتحديدا في زمن الرئيس احمدي نجاد؟ اقل ما يمكن تقديره إما مواجهة عسكرية واسعة وإما كان نجاد وقادة الحرس قد استعرضوا الجنود الاميركيين العشرة في أقفاص حديدية في شوارع طهران لإبراز هزيمة «الشيطان الأكبر«. ما حصل الآن هو العكس تماما. لم يتم إطلاق رصاصة واحدة وجرى التعامل مع الجنود بتهذيب شديد وأُفرج عنهم بسرعة ومهّد كل ذلك لإنجاز عملية تبادل السجناء بين طهران وواشنطن. ضمناً، لا يبدو ان بعض «الرؤوس الحامية» من قادة الحرس أعجبهم ذلك، فأعلن قائد البحرية الاميرال فدوى أنه «كان من المحتمل اغراق جميع القطع البحرية الاميركية»، علما ان من بين القطع التي تابعت الحادث كانت حاملة طائرات اميركية ومعها فرقاطتان وحاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول. 

الرئيس حسن روحاني عمل منذ اللحظة الاولى لإعلان رفع الحظر على وضع هذا النجاح في مكانه الداخلي الذي يجب ان يثمر التغيير العميق فقال: «ان هذا الانتصار العظيم هو فرصة للتنمية والتقدم والتعامل مع العالم .. ولتحقيق قفزة اقتصادية». وما لم يقله روحاني لان خطابه سياسي وموجه الى الشباب الموعود بقفزة اقتصادية تخرجه من البطالة والتضخم، كشفه حاكم البنك المركزي ولي الله سيف وهو ان «الثلاثين مليار دولار التي ستستعيدها طهران لن تدخل البنك المركزي لان دخولها هكذا غير منطقي، وستُستخدم لشراء بضائع من الخارج». ماذا يعني ذلك؟ أي ان ما للخزينة هو للخزينة ولا يعتقد احد (خصوصا قادة الحرس انهم سيضعون أيديهم على اي مبلغ مباشرة) انه سيتم استثمارها خارج الاحتياجات الشعبية والتنموية. الهدف الاول والملحّ لـ «الروحانية» والشيخ هاشمي رفسنجاني هو إحداث «تسونامي شعبي» في انتخابات مجلسي الشورى والخبراء لانهاء هذه الازدواجية التي تجر «العربة» الايرانية بحصانين متعارضين في وجهتهما، مما انتج شللها. 

ما يؤكد هذا الوضع الذي يريد تكتل روحاني – رفسنجاني – حسن الخميني ومعهم المعتدلون والإصلاحيون الخروج منه، ان قادة الحرس سارعوا الى تأكيد متابعة التسليح الصاروخي مع ما يعني ذلك من تكاليف ضخمة وسرية، وأيضاً الإصرار على الاستمرار في وضع يدهم على الاقتصاد الإيراني، وقد ابرز ذلك كلام وزير الدفاع العميد دهقان رداً على تصريحات روحاني وغيره ضمنيا: «ان رفع الحظر سيؤدي الى توفير فرص العمل ودعم التقدم .. وانجاز مشاريع البنى التحتية للبلاد». المعروف ان الحرس يحتكر حتى الآن تصنيع الحديد والاسمنت الى جانب مواد أدت الى وضع يد الحرس على المشاريع الضخمة في البلاد. 

ما يحدث الآن بين واشنطن وطهران، يؤكد أمرا أساسيا ان الادارة الاميركية الأوبامية تنظر الى المستقبل حتى ولو لم يبقَ أمامها سوى أشهر معدودة قبل الانتخابات الرئاسية القادمة. العقوبات الجديدة المرتبطة بسلاح الصواريخ وغيرها يمكن ان يطلق عليها «مسمار اوباما» بمعنى انه كلما ارادت الإدارات القادمة تذكير ايران الجديدة بوجود خطوط حمراء اشارت الى « المسمار» الذي يمكن ان يعلق عليه او ينزل منه حسب «سوء او حسن السلوك» . 

العام 2016 هو بلا شك عام التغيرات والتغييرات الكبرى والعميقة. من ذلك انتخاب رئيس أميركي جديد مما يعني إدارة مختلفة حكما عن الادارة الأوبامية وكيفية تعاملها مع الشرق الاوسط حتى ولو كان او كانت من الحزب الديموقراطي، فكيف لو كان من الجمهوري؟ وهو أيضاً موعد الانتخابات في إيران وأمل الإيرانيين بمرحلة جديدة تضعهم على سكة الدولة بعد ان أدت «الثورة قسطها للعلى». ولا شك ان منطقة الشرق الاوسط ستعيش على وقع هذه المتغيرات بكل نتائجها وتردداتها.