IMLebanon

في حرب مندلعة!

 

ليست حرب نظّارات هي التي تجري بين الولايات المتحدة وإيران، وليست مجرّد مبارزة كلامية أخرى تُضاف إلى السجّل الحافل بين الطرفين منذ بدايات «الثورة الإيرانية» والذي لم يشهد تقطّعاً سوى في مرحلة السيّئ الذكر (دائماً وأبداً) باراك أوباما.. إنما هي حرب فعلية بأسلحة غير نارية حتى الآن!

بل إن المرحلة الأوبامية شهدت أكثر من مجرّد خفوت صوتي وبلاغي و«تثقيفي» وتعبوي متبادل وخصوصاً من الجانب الإيراني، بحيث أن تغيير السلوك طاول الشكل والمضمون. واختفت من شوارع طهران وغيرها من مدن إيران شعارات «الموت لأميركا» و«الشيطان الأكبر» وما شابه ذلك وهو كثير. واختفت معها سياسة فعلية بُنيت على وقع تلك المنظومة التعبوية واستبدلت بواحدة مناقضة بعد أن اكتشف الطرفان غداة «الاتفاق النووي»، فضائل الانتهازية المتبادلة وفوائدها: واشنطن – أوباما تأخذ بالجملة وتعطي من كيس غيرها بالمفرّق. وطهران تأخذ تسليماً بطموحاتها الإقليمية وتعطي تنازلاً عن مشروع القنبلة الإفنائية.

ومهمّ تذكير أهل الضجيج الممانع، بأنّهم تفاخروا علناً بتحويل بوصلة شعار «الموت لأميركا» باتجاه السعودية تحديداً. ودأبوا على «تثقيف» وتعبئة جمهورهم على الضخّ المنهجي باتّجاه «أولويّة» العداء للمدرسة الفقهية التي يرتكز عليها عموم أهل المملكة! ثمّ ردّ المعطى الإرهابي بجملته إلى تلك المدرسة!

.. وتصرّفت إيران وأتباعها عمليّاً استناداً إلى تلك «الأولويّة». ولم تعوّف شيئاً في طريقها. من الاستثمار الفعلي في الإرهاب «القاعدي» ثمَّ «الداعشي» وما بينهما، إلى استخدام ميليشياتها وأدواتها في فتح جملة حروب ومعارك مع مكوّنات عربية وإسلامية، في موازاة إطفاء (حرفياً) الجبهة مع إسرائيل، في جنوب لبنان خصوصاً، وتحت ظلال القرار الدولي 1701..

ويمكن اليوم، وحتى في ذروة التصعيد الأميركي، ملاحظة استمرار التزام إيران خطاباً سياسياً مباشراً في «الردود» على المواقف الصادرة عن واشنطن من دون العودة إلى لغة الشياطين وأدعية الموت! ومن دون إظهار دور «المرشد» بل الاستعاضة عنه برئيس الجمهورية حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، ثمّ متابعة التركيز على «الدور الإقليمي» والتشديد على التمسّك بـ«الإنجازات» التي تحققت في المرحلة الأوبامية بما يعنيه ذلك في العمق، من إشهار النيّة بمتابعة السلوك ذاته البعيد عن التعرّض للولايات المتحدة ولإسرائيل! واستمرار التركيز على «الداخل» العربي والإسلامي الأكثري.. وكأنّ اتّهام ترامب بـ«الحمق» متأتّ من كونه «يرفض» استيعاب معنى «الخدمات» الإيرانية هذه! ويأبى التشبّه بسلفه السيّئ الذكر أوباما!

وإدراج لبنان تحديداً وأكثر من غيره من ضمن مراكز النفوذ التي «لا يتقرّر فيها شيء حاسم» من دون إرادة إيران، ليس ترفاً لغويّاً ولا نتعة تعبويّة كالتي يصدرها بين الحين والآخر جنرالات «الحرس الثوري»، بل هو «تذكير» من «المعتدل» و«الإصلاحي» بـ«الدور البنّاء» الذي لعبته إيران في تثبيت هدوء غير مسبوق وعلى مدى عشر سنوات في الجبهة مع إسرائيل.. أي رسالة سلمية بلغة حربية!

لكن معضلة إيران هي أنّها تترك إيديولوجيّتها جانباً لتفادي الاصطدام المكلف مع الإدارة الأميركية، فيما هذه الإدارة تبدو الأكثر أدلجة منذ أيام رونالد ريغان! وتعتمد تكتيكاته إزاء «إمبراطورية الشر» التي كان يَصِم بها الاتحاد السوفياتي.. وتذهب اليوم إلى تصفية حساب عالق (من جملة حسابات) مع طهران، منذ أيامه، ويتّصل بعملية تدمير مقر «المارينز» قرب مطار بيروت في العام 1983!