من الآن حتى تبيان الأبيض من الاسود في المفاوضات الغربية الإيرانية، سيبقى الوضع اللبناني معرّضاً لاهتزازات سياسية غير تلك المعتادة والمألوفة، والتي كانت وستبقى جزءاً حيوياً من اجتماعه وتركيبته وطبيعته (الأولى).
ومدّع أو عبيط، من لا يرى الواقعات الداخلية بعين خارجية. ومن لا يُرجِع الانعطافات الممانعة، إعلاماً وسياسة الى أصولها الاقليمية وليس الى صحوات ضميرية محلية مفاجئة! كأن يكتشف «حزب الله» مثلاً وفجأة، وبعد عشر سنوات على اندلاع الحرب الاهلية الباردة ان خطاب الرئيس سعد الحريري وكل بيئة 14 آذار هو خطاب إعتدالي دولتي مؤسساتي ناف للفتنة وحاضن فعلي لكل نقائضها. وأن يستحق الأمر بالتالي، الثناء والدعاء والرجاء مثلما يستحق اللبنانيون إجازة فعلية من مفردات التخوين ودربكة خطاب القطع والصدّ واليقينيات المقدسة.
.. في حين ان ذلك «الاكتشاف» لا يمكن عزله وقطعه عن سياق اقليمي رجراج لكنه محكوم بسقف واضح هو ان إيران منخرطة حتى النخاع في مفاوضات استراتيجية مع الغرب تطال طموحاتها النووية مثلما تطال أدوارها العابرة للحدود. وان الصعود والهبوط في تلك المفاوضات هو جزء طبيعي من آلياتها. وان استخدام كل طرف ما يملك من أوراق هو جزء طبيعي آخر متمم للأول. وان معنى ذلك، أن يكون الوضع اللبناني (تكتيكياً) جزءاً من تلك المنظومة الاداتية الإيرانية، وإن كان الإطار العريض محكوماً بتقاطع مواقف خلاصتها منع الانفجار الفتنوي الشامل!
يحلو للحزب وقادته ولحلفائه وخلاّنه إتهام الآخرين بكتابة أجندتهم السياسية بحبر خارجي! ودوزنة خطواتهم وخياراتهم على أوتار مصالح اقليمية وأخرى دولية.. فيما البديهية التي تؤاخي العُرف، وهذه التي تؤاخي الحقيقة الصافية، تقول ان كل «مشروع» الممانعة في لبنان، من أوله الى آخره، قائم على مسلّمة وضع المصلحة الوطنية اللبنانية في مصاف ثانوي أمام مصاف الاساسيات المركونة تارة في طهران وطوراً عند بشّار الاسد.. ودائماً وأبداً في سياق عابر للحدود وبأثقال تنوء تحت وطأتها اكتاف اللبنانيين وقدرات الكيان على الاحتمال.
وذلك في جملته، ليس حُكماً متأتياً من كيد أو خصام، بقدر ما هو آت من مدونة سلوك أهل الممانعة أنفسهم، ومن خطابهم وشعارهم وأدائهم الميداني المحلي والخارجي، وتحديداً في سوريا اليوم، وبدرجة أقل منها، في العراق!
المهم في الموضوع، هو ان التنتيع السياسي الممانع سيأخذ في الأيام المقبلة منحى تصاعدياً معاكساً للأجواء التي سادت في الآونة الأخيرة.. وقد أكون مخطئا، لكن غيوم الممانعة عندنا الآتية من مناخ إيران ومفاوضاتها، ترجّح الصواب وتجعله غلاّبا!