Site icon IMLebanon

في حرب مرذولة!

 

على أهميّتها وخطورتها وتوقيتها، عملية قصف المواقع الأسدية والإيرانية في ريفَي حلب وحماه ليل الأحد – الإثنين، فإنّ الأهم والأبرز هو تثبيت الصمت «الرسمي» الممنهج الذي اعتمدته القوى المعتدى عليها! وإيثارها التطنيش واستمراءه! واعتباره سياسة «ذكية» تُفشل محاولات الأعداء «جرّنا إلى حرب وفق توقيتهم وحساباتهم»!

 

.. الجميع كان ينتظر الردّ الإيراني الموعود على استهداف مطار «تي – فور» قرب تدمر منذ نحو شهر حيث قضى عددٌ من «المستشارين» الإيرانيين، من بينهم عقيد في «الحرس الثوري»… فإذ بالأنباء تأتي بالعكس: وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (إيسنا) تنقل عن مصدر في الحرس «أنَّ 18 مستشاراً عسكرياً إيرانياً من قوات فيلق الإمام السجّاد، قُتلوا في الهجوم الصاروخي على مواقعهم في جبل البحوث العلمية في ريف حماه الجنوبي».. فيما نقلت وسائل إعلام أخرى موالية في دمشق، معلومات عن استهداف محيط مطار النيرب شمال مدينة حلب ومواقع أخرى في محيط سلحب بريف حماه الغربي..

 

أمّا «المرصد السوري لحقوق الإنسان» المعروف بدقّة معلوماته، فقد أكّد سقوط قتلى كُثر (26 قتيلاً) وعشرات الجرحى، من الإيرانيين وقوات بقايا السلطة الأسدية.. ومع ذلك، لا حسّ ولا خبر على المستوى «الرسمي»، ولا تكرار بطبيعة الحال لتلك الأسطوانة المشروخة بمصطلحاتها القديمة والحديثة، أي تلك التي تتوعّد بالردّ في المكان والزمان المناسبَين.. أو تلك التي «تُلفت نظر» المهاجمين المعتدين إلى أنَّ غاراتهم وقصفهم الصاروخي «يضرّان بالحرب على الإرهاب».. أو يُعيدان «الجهود المبذولة» على طريق «الحل السياسي» إلى الوراء.. إلخ!

 

الملاحظة الشكلية الخطيرة، هي أنَّ الجهة التي قصفت بالأمس، لم تُعلن عن نفسها! ما أفسح المجال أمام الجهة المقصوفة لإبقاء رأسها في الرمل! والمعادلة دقيقة: قصفت إسرائيل القاعدة الإيرانية في مطار «تي – فور» و«أعلنت»! فوجد المقصوف نفسه محشوراً في الزاوية و«أعلن» بدوره أنّه تعرّض للقصف وخسر ما خسر و«سيردّ على العدوان» حتماً! لكن طالما أنّ الفاعل في القصف الجديد بقي «مجهولاً»، فلا داعي لكسر القاعدة السابقة التي اعتمدت على مدى نحو مئة وعشرين غارة إسرائيلية جرت على مدى السنوات القليلة الماضية واستهدفت قواعد ومنشآت وقوافل عسكرية إيرانية وأسدية وتابعة لـِ«حزب الله»!

 

لكن الصمت هذه المرَّة أبلغ من الجهر: كأنَّ إسرائيل تؤكد بالعمق ذهابها إلى ترجمة «قرارها» بالتصدّي للنفوذ الإيراني في سوريا عملياً ومباشرة، وتنظر باستخفاف إلى توعّدها بالرّد، وفق المقولة التي أطلقها الأمين العام لـِ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله غداة قصف مطار «تي – فور» واستهداف الإيرانيين «مباشرة»، من أنَّ ما قبل هذا الحدث «الجلل»، غير ما بعده!

 

.. كأنّ إسرائيل ترمي قفازات التحدّي وتقول: تفضّلوا! وكأنَّ الإيرانيين في المقابل يجدون في الأمر «فخّاً» ولا يريدون الوقوع فيه! ويأخذون على محمَل الجَدِّ التهديدات الكبيرة بالردّ على أي ردّ من سوريا بطريقة شاملة وليست جزئية، وتبدأ من «مسح بشار الأسد وسلطته عن وجه الأرض» وتنتهي عند المعادلة الجديدة التي طرحها وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان: تل أبيب مقابل طهران!

 

وهذا يعني: أنّ إسرائيل ستستمرّ في الضرب ساعة تشاء! والإيرانيون والأسديّون سيستمرّون في «الردّ» عليها من خلال مواصلة الفتك بالسوريين! وذلك ما يعنيه حرفياً، قول رئيس سوريا السابق بالأمس من أنّ التصعيد (كذا) «لن يزيد السوريين إلاّ تصميماً على القضاء على الإرهاب»! وهو هنا لا يتحدّث باسمه بل بالنيابة عن حُماته الإيرانيين! والرسالة واضحة مجدّداً وتكراراً وعلناً من فوق السطوح: لا نريد الحرب ولا نسعى إليها.. والعداوة في مكان آخر، في الداخل السوري والعربي والإسلامي الأكثري وليست في الخارج الإسرائيلي وغير الإسرائيلي!

 

المشكلة أنَّ إسرائيل لم تستوعب ذلك بعد! وقلّة الاستيعاب هذه هي جزء من «ثقافتها» العامة: هي لم تستوعب قبلاً السعي العربي إلى السلام معها، فكيف لها أن تستوعب «الرغبة» في جعلها رأس «حلف الأقليات» في محيطها! وكيف لها أن تطمئن إلى «وجود» يرفع شعار القدس، برغم أنّ أصحابه ذهبوا إلى كل مكان باستثناء القدس! القصّة مبدئيّة ومُعقّدة، وكثرة تعقيداتها هذه قد تُوصل إلى حرب «مباشرة» لا يريدها طرفاها؟!