تمرّ السنون، تعود الذكرى، تصبح بعيدة في الزمن بعد تسع سنوات على اغتيالك. يصبح التعبير أصعب لأننا قلنا فيك الكثير، واسترجعنا كل الذكريات، الحلوة منها والمرّة، في المناسبات التي احييناها لتذكارك. لذا يصبح احياء الذكرى نوعاً من التحدي، فماذا عسانا نقول لك وعنك وفيك مما لم يسمعه الآخرون، وهم يتوقون إلى اكتشاف جديد فيك لم يعهدوه أو لم يطلعوا عليه؟ لعل الافضل الحديث معك عن الوطن وهمومه، ذاك الذي احببت وارتضيت ان تدفع دمك ثمناً لبقائه وصموده، شأن كثيرين ممن استشهدوا ليبقى لنا وطن، وطن مخيف لا يرتوي، ولا يتبدل نحو الافضل إلا باثمان باهظة، لأن فرقاء فيه ارتضوا على الدوام ان يكونوا ادوات للعب الآخرين، وارتضوا ان يحولوه ساحة لصراعات الدول.
في الاعوام التسعة المنصرمة استشهد كثيرون بعدك، وحلت بلبنان مصائب وويلات وحروب، وبرزت تحديات كثيرة وكبيرة جعلتنا في الزمن الصعب الذي نفتقدك فيه اكثر. فالقضية ليست سياسية دائماً، في صراع بين 8 و14 آذار، كما تبرز الى العلن كأنها تقاسم مصالح ونفوذ، وهو ما يحصل على الدوام لدى الفرقاء السياسيين الذين لا يرى بعضهم أبعد من طول أنفه الذي يشتم رائحة السمسرات والصفقات.
القضية أبعد من السياسة الآنية، والحسابات الضيقة، الصغيرة، والوضيعة، لأنها تتعلق برؤية وطن، ومستقبل وطن، وهو ما نعجز عن التفكير فيه بسبب كثرة المضايقات، والحصار المتعمّد الذي يريده بعض السياسيين ليبقى المواطن اللبناني مكبلاً لا وقت لديه للتفكير والتخطيط، ولا قدرة لديه على القيام بأي مبادرة للتغيير. هنا الازمة الكبرى التي نعانيها اليوم. ربما يخطط فريق أو اكثر لمستقبل لبنان، لكن التخطيط المقتصر على جماعة من دون اخرى يجرنا للانسياق الى رؤية محددة، ربما تكون فئوية وعنصرية ومذهبية ومصلحية، لكنها في النهاية يمكن ان تنتصر، اذ تفرض على الآخرين في غياب أي خطة لديهم، أو ربما يكون سلاحهم الممانعة والرفض، وهو ما يقودنا الى الاسوأ، أي الى إبقاء الحال على ما هي عليه بكل سيئاتها.
لقد ناضلت يا جبران، وكثيرون معك، تحت عباءة البطريرك العظيم مار نصرالله بطرس صفير لمنع “سورنة” البلد. وكنت تردد “أن العمل الاصعب في تلك المرحلة هو الحد من سلطة الوصاية، على ان تبدأ مسيرة بناء الوطن بعد ذلك، بعدما يتحرر البعض من الوصاية، ويقتنع بضرورة الحوار الداخلي لبناء وطن، اذ لا يمكننا وضع رؤية احادية لهذا الوطن، فهو ليس فندقاً نديره وفق ما يشاء احدنا ليقيم فيه، واذا لم تعجبنا الاقامة غادرناه. إنه وطن نريد ان نبنيه لاولادنا، للاجيال المقبلة”.
اليوم، بلغنا الزمن الصعب، والازمة تتفاقم، اذ تخلصنا شكلياً من وصاية يستحضرها البعض يوميا، فيما الحوار الوطني امتد طويلا من دون نتيجة، والرؤية للمستقبل مفقودة لدى الجميع.