IMLebanon

في محاولة فاشلة

 

 

كمن يحرث البحر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في زيارته إلى طهران! ومع ذلك فإن محاولته الحوار مع قادة إيران سترسّخ بعض القناعات القائلة بأنّ هؤلاء ماضون في استراتيجيّتهم التوسّعية والصاروخية، ويعتبرون أنّ الحكي مع الغربيين (تحديداً) يمكن أن يطال أي شيء وكل شيء، إلاّ تلك الاستراتيجية.

 

وحتى قبل أن تطأ قدما الوزير الفرنسي أرض طهران، كانت هذه تعلن سلفاً نتائج زيارته! وتقول على ألسنة جميع المعنيين بها، وخصوصاً القادة العسكريين في الجيش و«الحرس الثوري» كما في دوائر الخارجية ورئاسة الحكومة ومستشاري «المرشد» أنّ برنامجها الصاروخي مستمر.. وإنها وصلت في التمسك بموقفها إلى اشتراط «إجراءات متبادلة»! من نوع «تدمير» الصواريخ الأميركية والأوروبية، (بما فيها النووية!) في مقابل قيامها بالمثل!

 

وهذه المبالغة في وزن الذات هي خاصّية إيرانية مألوفة، تستند إلى بعض المادّيات والكثير من الروحانيات.. والأمران في ذهن صاحب القرار متوازنان تبعاً ليقينيّاته الإيمانية الحاسمة والمطلقة.

 

لكن، رغم الإقفال في الموقف، فإن طهران فتحت أبوابها للزائر الفرنسي، وهي تعرف، أنّه يأتي إليها متحدّثاً باسم الأوروبيين بقدر تحدّثه باسم بلاده وحدها. وهؤلاء في العموم، شاركوا في وضع «الاتفاق النووي» ويخالفون اليوم، توجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى «إعادة النظر» فيه… ومن باب المصلحة الاستمرار في البناء على ذلك التمايز طالما أنّه أثمر في لجم جموح الأميركيين.. أقلّه حتى الآن!

 

ثمّ في الأساس، ومن حيث المبدأ، تطلب إيران مثل هذه الزيارات، ولا ترحّب بها فقط. باعتبار أنّ لها فوائد جمّة وأحادية الاتجاه (تقريباً!) فهي تؤكد أنّها ليست مُحاصَرة ولا منبوذة ولم تصل بعد إلى «مرتبة» كوريا الشمالية! ثمّ تُظهر كم هي «مقصودة» من «القوى الكبرى» في العالم سعياً إلى رضاها! وإلى «التفاهم» معها وليس «التقاتل»! وهذا في دولة «الثورة المستدامة» مَدَدٌ تعبوي لا يُستهان به. خصوصاً وأنّ لغة الزوار الأجانب تكاد تكون استجدائية أكثر من أي شيء آخر! وهذه تؤكد لعموم الإيرانيين مدى «الاقتدار» الذي وصلت إليه البلاد وتحت راية «المرشد» وفي ظل استراتيجيّته المقدّسة!

 

.. ثم أن هناك شيئاً آخر في المقابل، وشديد الأهميّة: يمكن من خلال هكذا زيارات، «إفهام» الزائر عن قرب (في حال كان الأمر لا يزال يحتاج إلى شرح إضافي!) بأنّ السياسة التوسّعية والصاروخية الإيرانية المعتمدة ليست موجّهة إلى البعيد إنما إلى الجوار القريب (العربي!) ولا داعي للقلق الغربي على الاطلاق!

 

بل على العكس، فإنّ الأبواب مشرّعة على علاقات تبادلية في كل نطاق ممكن! وإنّ لغة العقوبات «لا تخدم» الطرفين! وإنّ مصلحة الأوروبيين والأميركيين، أن تكون إيران دولة قطبية تقاتل إلى جانبهم «الإرهاب المعروف المصدر»!!

 

.. الغريب أن يصر لودريان على زيارته برغم تيقّنه المسبق من فشلها. وبرغم أنّ هذا الفشل يُضعف حجّة الأوروبيين عموماً في الكباش المفتوح مع إدارة ترامب في شأن «الاتفاق النووي» وأداء إيران الصاروخي والخارجي!

 

ثم برغم تيقّنه بأنّ موقف طهران إزاء نكبَتَي اليمن وسوريا لا تغيّره التكتيكات الحوارية ولا محاولات الوساطة.. وكأن الأمر بالفعل، لا يزال يحتاج إلى «شرح» إضافي!

 

علي نون