لا بدّ من لغة قوّية لتسويق الضعف.. تماماً مثلما يقول المنهزم في ساحة المعركة، لتغطية هزيمته، إنّه «أعاد انتشار قوّاته».. أو إنه في حالة الاعتداء المباشر عليه، يحتفظ لنفسه «بحق الردّ في الزمان والمكان المناسبين».
علي أكبر ولايتي أحد أبرز مستشاري «المرشد» الإيراني، هو سيّد في تلك المدرسة البلاغية.. ولا يختلف عن «نظرائه» في المدار العربي الممانع سوى باللغة وشكلها وهويّتها. لكن المضمون واحد ويدلّ على بؤس الحال والأحوال: يتحدّث من موسكو عن قبول سحب إيران «مستشاريها» من سوريا «إذا طلب منها ذلك» الرئيس السابق بشار الأسد! لكنّه في الجملة التالية يقول إن روسيا بدورها ستسحب قواتها إذا انسحبت إيران، مع أنّ الفارق جليل بين الأمرين، هذا إذا صحّ الربط وهو لا يصحّ.
أي أن انسحاب إيران مطلب مُجمع عليه. ومُقرّ شرعاً! وتلتقي عنده مواقف وإرادات وقرارات كبيرة وصغيرة. وموسكو في ذلك لا تختلف مع واشنطن ولا مع الأوروبيين ولا مع سائر العرب.. وبطبيعة الحال لا تختلف في ذلك مع الإسرائيليين بل العكس الصحيح هو أنها تدبّ الخطى لتنفيذ إرادتهم تحت سقف المصالح المشتركة والمتبادلة، «والهموم» التي تجمعهم في كل حال، وتضعهم معاً في صحبة أليفة.. في وجه الإيراني!
.. أمّا الحكي عن انسحاب روسي موازٍ، على ما قال السيد ولايتي، فهو خروج عن النصّ واضح وفاضح: إيران مطلوب منها الانسحاب. لكن روسيا مطلوب منها البقاء! والأولى تحتل المرتبة الثانية في لائحة المهزومين بعد غالبية شعب سوريا، فيما الثانية تتصدر لائحة «المنتصرين» وتليها إسرائيل.. وروسيا تمسك بيديها معظم خيوط الثوب النكبوي وتطرّزه وفق ذوقها وقياساتها وحياكتها، فيما إيران تراقب وتنتظر وتتحسّر: دفعت الكثير الكثير لكن غيرها جاء ليلبس الثوب! وأدمت الإبر أصابعها لكن النتيجة جاءت أكبر من جسمها وحجمها! والاحتشام في الثوب غير ملحوظ أبداً! والعري في المواقف المضادّة والمتبرِّمة والمهدّدة لا تستره آداب السلوك الديبلوماسي! ولا كثرة اللغو الخشبي والكلسي عن «حلف» أو «محور» يتصدى للأحادية الأميركية من ضمن مهامه العظيمة! ولا الإكثار من البيانات الحاكية عن «عمق» العلاقات الإيرانية – الروسية.. ولا غير ذلك من مدوّنات طنّانة لا تكفّ الماكينة الإعلامية والسياسية الممعانعة عن تكرارها بنمط ممجوج ومن دون أي خجل!
ثم لا يكفي بالنسبة إلى السيد ولايتي أن يربط ما لا يُربط بين «وضع» بلاده في سوريا و«وضع» روسيا، بل يذهب أبعد من ذلك إلى الجذر الأول الذي أنتج المنظومة البلاغية واللغوية المألوفة التي، في ذروتها البائسة تحيل الهزيمة المُرّة إلى مجرّد «نكسة»! ثم تتدرّج صعوداً لتعبئة الفراغ والخواء بحبر البيانات وأثير الإذاعات والتي من صفوتها مقولة «إننا خسرنا الأرض لكننا انتصرنا لأن النظام صمد وزمط»! أو أن سوريا نُكبت بنكبة العصر لكن بشار الأسد «بقي»! أو أن أميركا «انهزمت» في العراق برغم أن العراق تشلّع وتشظّى وضربه البلاء والإملاق.. إلخ..
وفق هذه القياسات والتوريات والالتباسات يسرد ولايتي أمام الملأ مطالعة قتال الأميركيين لـ«دحرهم» و«اقتلاعهم» من سوريا والعراق ولبنان وعموم المنطقة.. لكن من دون أن يوضح ما إذا كان ذلك سيتم، قبل أو بعد «معالجة» «النفوذ» الإيراني في سوريا.. وغيرها!!